محمد سليمان العنقري
يمثل دخل الأسرة إحدى أهم ركائز الخطط الاقتصادية التي تسعى دائمًا لحمايته وتعزيزه بإجراءات عديدة؛ حتى تبقى الأسر قادرة على تلبية احتياجاتها، ولعب دور رئيسي بتعزيز النمو الاقتصادي من خلال إنفاقها، وكذلك الادخار والاستثمار. فمن زيادة الإنتاجية لرفع الدخل إلى معالجة التضخم ووفرة السلع والخدمات وتعزيز متانة الاقتصاد بسياسات مالية ونقدية تحافظ أيضًا على القوة الشرائية للعملة واستقرارها، إضافة إلى
زيادة القوى العاملة التي تتيح لأكبر عدد من أفراد الأسرة العمل، تنبع مختلف المعالجات المنتهية بحماية وتعزيز دخل الأسرة والفرد في نهاية المطاف.
وقد جاء في الرؤية المستقبلية 2030 العديد من الأهداف التي تصب في دعم دخل الأسرة، من خلال زيادة التوظيف بتنشيط الاقتصاد من خلال القطاع الخاص بأوجه مختلفة، من بينها زيادة تأثير المشاريع الصغيرة والمتوسطة بالناتج المحلي إلى 35 %، وبرامج الخصخصة، وتنشيط قطاعات عديدة، لم تصل للمستوى الذي تستحقه قياسًا بالإمكانيات المتاحة، مع تحسين بالصحة العامة لتقليل الأمراض، وتوفير مصاريف العلاج، إلى أبعاد كثيرة أخرى تحسن دخل الأسرة بشكل مباشر وغير مباشر، بل إن أحد أهم الأهداف زيادة الادخار للأسرة من 6 % إلى 10 %.
ومن هدف الادخار لا بد أن تُطرح نقاط عديدة، تستوجب الإيضاح مستقبلاً من قِبل وزارة الاقتصاد والتخطيط حول آلية الوصول إلى مرحلة زيادة الادخار للأسرة السعودية، وخصوصًا أن الادخار هو أساس الاستثمار، سواء بأن تقوم الأسرة بشراء عقار؛ كونه وعاءً استثماريًّا لها، أو المساهمة بشركات تطرح للاكتتاب العام. فمن الواضح أن عشرات الشركات الكبرى - وعلى رأسها أرامكو - ستطرح مستقبلاً بخلاف سوق الشركات الصغيرة والمتوسطة، وكذلك طرح صكوك وسندات. أي أن القنوات الاستثمارية ستتوسع؛ ولا بد أن يكون للأسر الدور الأهم بالاستثمار من خلالها؛ لرفع إنتاجية الاقتصاد، وتعظيم العوائد، وإعادة توجيه الإنفاق للأسر بما يهيكل إدارة مداخيلها، وتوجيهها للإنفاق والادخار والاستثمار بتوازن أكبر.
لكن كل ذلك يعد تحولاً إيجابيًّا إذا قرأناه من خلال ما هو مرسوم بالخطط التنموية إجمالاً، والرؤية المستقبلية، بينما تظهر التحديات بجوانب عديدة أمام تحقيق تلك الأهداف، وخصوصًا رفع نسب الادخار. فبالعودة لمسح دخل الأسرة السعودية نجد أنه كان يتجاوز 14 ألف ريال كمتوسط شهري، وارتفع إلى أكثر من 16 ألف ريال عام 2012، ثم عاد لينخفض إلى نحو 13.6 ألف ريال عام 2013م، بحسب مصلحة الإحصاءات العامة التي أصبحت باسم (هيئة) حاليًا. وكان إنفاق الأسر أعلى من دخلها عامي 2012 و2013 بنسب تتراوح بين 10 و12 % على الأقل، في الوقت الذي كان في عام 2007 يسجل الدخل فائضًا على الإنفاق الشهري بنحو 8 %.
ومع خطط التحول الحالية التي ستغير من هيكلية الدعم للسلع والخدمات، كالكهرباء والمياه والوقود، فإن التكاليف ستزيد على الأسر من خلال دفع فواتير وتكاليف وقود أيضًا أعلى؛ ما يعني اتساع العجز لدخل الأسرة، وستحاول التغلب عليه بتقليص نفقاتها على بعض المصاريف غير الضرورية، سواء بتقليل الإنفاق أو بشطبه من حساباتها إذا حصرنا المعالجة بتفكير الأسرة، إلا أن إعادة توجيه الدعم بصرف مبالغ نقدية تساوي مقدار المبلغ الذي كانت تحصل عليه بشكل غير مباشر من دعم الطاقة والمياه والوقود من الدولة ستغطي العجز، وستعيد التوازن بين الدخل والإنفاق، لكن في المقابل ستتأثر أسعار السلع والخدمات ارتفاعًا من المنتجين أو مقدمي الخدمة؛ لتواكب الزيادة بالتكاليف عليهم مستقبلاً بعد رفع الدعم تمامًا بحسب ما هو مخطط له على مدى السنوات القادمة، أي أن تغطية ما سيصرف ستشمل مبدئيًّا جانب الدعم المباشر للطاقة والوقود والمياه؛ لأن نسبة التغير بأسعار باقي السلع لن تظهر حقيقتها في الوقت الراهن، وإن كان جزء من علاجها لدى المنتجين برفع كفاءة التشغيل، لكن ذلك لن يكفي لاستيعاب ارتفاع التكاليف عليهم بعد سنوات. ولا يعتقد بأن المخططين غافلون عن هذا الأمر؛ فهو من بديهيات التخطيط والدراسات الاقتصادية.
إلا أن السؤال سيبقى: كيف ستتمكن الأسر من ادخار 10 % من دخلها بعد كل تلك التغيرات الواسعة؟ فهي حاليًا لا توفر أكثر من 6 % بالمتوسط، حسبما ذُكر بالرؤية؛ كون هذه النسبة قياس عام، وليست تفصيلية؛ فهناك أسر لا تدخر، بل تقع بعجز مستمر، والعكس صحيح؛ لذلك إلى الآن النسبة العامة هي لصالح الادخار القائم حاليًا؛ كون الدعم ما زال قائمًا بنسبة كبيرة، لكنه ليس مضمونًا أن يستمر ببدايات التحول؛ فهي نسبة معرضة للتراجع قبل أن تبدأ المعالجات الحكومية بالظهور وإعادة التوازن لادخار الأسرة؛ ما يعني أن التحديات ليست بسيطة للوصول إلى ادخار بنسبة 10 % للأسرة حتى لو كانت على مدى 15 عامًا؛ فهذا يعني رفع دخل الأسرة بنسبة 60 % بحسب ما جاء بتوصيات دراسة ماكينزي؛ حتى يتم استيعاب ارتفاع تكاليف المعيشة، والوصول للادخار المستهدف، أي أن يصل دخل الأسرة إلى ما يزيد على 20 ألف ريال شهريًّا من مستوياته الحالية وفق آخر المسوحات الإحصائية، مع عمل جبار من قِبل الجهات التنفيذية الأخرى كوزارة التجارة والصناعة وغيرها؛ لزيادة الطاقة الاستيعابية بالاقتصاد لصالح ميزان العرض على الطلب، وكذلك الرقابة الشديدة على السوق، مع التوعية المطلوبة في الإنفاق، والوعي من قِبل الأسرة والأفراد، بما يحقق كفاءة أعلى بإدارتهم المالية لدخلهم. أي أن عوامل عديدة تدخل في صلب المعالجات المطلوبة لتحقيق الهدف بزيادة الادخار. فأي خلل بحماية دخل الأسرة من التآكل قياسًا بالتضخم المتوقع سيؤثر سلبًا بالنمو الاقتصادي، وقد يحتاج لتكاليف كبيرة وجهود مضاعفة لمعالجته.
دخل الأسرة الجيد صمام أمان، ليس لها فقط بل للاقتصاد وتعظيم حجم الثروة بالوطن مستقبلاً. وتتنافس الكثير من الدول بمستوى ما تصل له من زيادة بادخار الأسر، لكن ذلك تحققه بمعايير وسياسات وإجراءات عديدة، لا تغفل أي جانب، سواء بكفاءة ومستوى الإنتاج وجودة السلع والخدمات والرقابة على السوق وزيادة العرض دائمًا وفتح القنوات الاستثمارية لاستثمار المدخرات ورفع ثروة المجتمع وتقوية دور الأسرة والفرد بالتأثير بالنمو الاقتصادي إنتاجًا وادخارًا واستثمارًا وإنفاقًا.. ولذلك فإن توجهات الرؤية المستقبلية بقدر ما تتوجه لدعم دور الأسرة إلا أنها بالتأكيد أمام تحديات عديدة للوصول للأهداف المرسومة، ومن أهمها النتيجة التي ستظهر برفع الادخار إلى النسبة المستهدفة.