د.ثريا العريض
حالياً يتمحور الحديث عن دور المرأة السعودية في التنمية في تناول أرقام البطالة والعطالة والخريجات والتدريب ومشاكل النقل والوصول إلى موقع العمل.. ولكن هناك جوانب أخرى تخص المرأة والوضع القائم، وهي مدى ارتفاع ومرونة سقف تقبل المرأة في العمل والعطاء، ومدى استعداد المجتمع لتغيير نظرته التي تحصرها في دورها المتوارث فتسمح لتميزها أن يظهر، ولعطائها أن يتحقق. والتقدم ليس فقط أرقام خريجات، بل أيضاً نساء منجزات.
ونحن نتناول القليل الذي تطرق إلى المرأة في رؤية التحول نجد إصراراً على تفعيل دور المرأة وتمكينها بهدوء لا يستفز مقاومة المجتمع. أما المرأة نفسها فلا زالت تواجه الدوافع المتناقضة؛ الرغبة في أن تشارك اقتصاديا، والتخوف من التقصير في متطلبات دورها الأنثوي. والإشكالية لم تبدأ برؤية التحول والبرامج المنتظرة، بل ربما بدأت بقرار السماح للإناث بالتعلم في مدارس والخروج من البيت.
قبل بضعة أعوام دعيت للحديث في نيويورك عن تجربتي كامرأة قيادية رائدة في مجتمع حديث العهد بتمكين المرأة. ثم دعيت مرة أخرى للتحدث عن تجربتي في مؤتمر بدبي. وفاجأني أن الأسئلة من الشابات المؤهلات، وبعضهن في مواقع قيادية، كانت عن الجانب الشخصي: «كيف استطعت التعامل مع المتطلبات المتنافسة في أدوار متزامنة: الدور الأسري والدور الوظيفي والجانب الإبداعي»؟. وفي حواري معهن اكتشفت أن أصعب ما تعانيه الأنثى الطموحة حين تتاح لها فرصة العمل الملتزم هو الشعور بالذنب وبأنها تقصر في إرضاء الأسرة والمجتمع والاعتناء بأطفالها. وأن هناك ما هو أبعد وأهم لتحقيق النجاح بالنسبة للأنثى من توفر الفرص؛ لابد من الشعور الذاتي بالرضى عن النفس وعن مردود جهودها. هذا الرضى لن يتحقق إلا بمباركة المجتمع. ولابد من الدعم المهني والمعنوي والتوجيه لتستطيع تخطيط مسيرتها دون أزمات.
الرائدات كن تجارب فردية اعتمدت كلياً على تقبل وتشجيع الأسرة الحميمة وبالذات الأب. ولعل محاضرتي في مطلع الثمانينات عن دور المرأة السعودية في التنمية كانت أول محاولة جادة تطرح مقترحات لإدخال المرأة السعودية كشريك في معادلة بناء وتنمية الوطن. ووجدت مقترحاتي طريقها للخطة الخمسية التالية. وشاركت في عشرات المؤتمرات والندوات حول أوضاع المرأة؛ كلها اتفقت أن معاناة المرأة مشترك كوني. وكتبت مئات المقالات الجادة حول طموحات تمكين المرأة العربية وأحلامي للمرأة السعودية بالذات. وتشربت أهداف الألفية بعد أن سمينا حقبة التسعينات بحقبة تمكين المرأة.
هل تغير شيئ من ذلك الحين؟ يقول البروفسور عبدالله السبيعي في تغريدة له على تويتر بتاريخ 23 يناير 2013: « كل يوم أعمل فيه في الطب النفسي ازداد يقينا بإن المرأة في مجتمعنا يقع عليها ظلم عظيم. إنها والله مآس لا يتصور أن تقع في مجتمع مسلم». أجزم أن هناك الآن ما هو أسوأ حيث نرى تراجعاً في ثقافة التعامل مع المرأة، ولا أوضح من جرائم داعش التي عادت بالمرأة إلى عصر الغزو والبيع في السوق كسبايا.
المرأة تعاني منذ القدم بسبب مواصفاتها الجسدية مقارنة بالرجل. وهي تعاني لأنها تملك تلك الجاذبية الجنسية التي تجعله لا يستغني عنها، وهي تعاني لأن هناك بين الرجال والنساء من اقتنع بأنها الأضعف، أو هي مقتنعة بأنها الأضعف، بمعنى أنها لا تستطيع أن تحمي نفسها من إساءة معاملتها، أو رغبة الذكر في استغلال ضعفها. وقد تواطأ المجتمع على إبقائها في هذا الموقع حتى بعد أن تغيرت تفاصيل الحياة ولم تعد فروق قوة العضلات هي ما يميز فرداً عن الآخر.
محلياً الأمر أصعب.. فحتى ما تقبله العالم كله كقيادة المرأة للسيارة التي ستسهل تحركها لقضاء حاجاتها والوصول إلى عملها، ما زلنا هنا نجد رجالاً ونساء يرفضون تقبل أن هذا حق من حقوقها.
يقول سمو الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد صاحب رؤية التحول: «للمرأة دور في التنمية الشاملة وليس هناك ما يمنع أن تسوق كمحظور قانوني أو محذور شرعي، ولكنها قضية رضا المجتمع». السياقة ليست سوى مهارة يمكن أن يحققها حتى من لم يتعد سن الطفولة ولكن بعض المجتمع ما زال متشبثاً بتخوفه من تغير دور المرأة، ربما لأنه لم يعتد الالتزام بالنظام. ويستطرد الأمير: «هناك متغيرات ومستجدات».. نعم ونأمل أن تطال دور المرأة.