«الجزيرة» - محمد السهلي:
تفاجأت صناعة المال الإسلامية باستقالة أبرز روادها بعد أن نشر تحليلا خاطئا عن قضية محلية، تبين لاحقا أن لا أساس لها من الصحة، على صفحة الفيس بوك الخاصة به. وقام باديلسياه عبدالغني، بالتشكيك في صحة تحقيق نشرته صحيفة «وول ستريت جورنال»، قالت فيه إن محققين يتحرون مزاعم سوء إدارة صندوق التنمية قد وجدوا أنه تم إيداع نحو 700 مليون دولار في حسابات مصرفية لأحد الشخصيات السياسية. وبعد حصول ضغوطات عليه من إدارة بنك سي أي ام بي، نشر بيانا مقتضبا على صفحته الخاصة ذكر فيه بأن تحليله كان خاطئا وهو لا يمثل إلا نفسه (في محاولة لعدم جر مصرفه الإسلامي لهذه القضية التي لا دخل للمؤسسة بها).
ولم يدر بخلد باديلسياه عبدالغني، عندما كان على وشك أن يتخرج من جامعة ليدز البريطانية في تخصص القانون، أنه سيصبح وبسرعة البرق أحد «المجددين المبتكرين» في صناعة المال الإسلامية. فقد أصبح هذا الشاب الخجول مصدر إلهام لجميع المصرفيين الشباب لما يمكن أن يحققه الفرد طالما تملك العزيمة والإصرار.
فهذا الشاب المسلم، الذي يرى المراقبون أنه يحمل معه «نفساً جديدا» للصناعة، يصفه الفقيه الأمريكي يوسف ديلورنزو، عبدالغني بأنه مثل «النفس المنعش للصناعة»، نظرا لأن ما يقوم به يسهم في هيكلة أدوات إسلامية مبتكرة تضفي قيمة إضافية إلى هذه الصناعة.
ودائماً ما تفاخر ماليزيا بفتاها الجسور عبدالغني. ففي سن 32 أصبح بفطنته أصغر رئيس تنفيذي لأهم بنك استثماري إسلامي في ماليزيا. ولم يخيب عبدالغني ظن من وضع الثقة به عندما قاد هذا البنك الصغير ليصبح اللاعب رقم واحد في إدارة إصدارات الصكوك حول العالم. ووجد عبدالغني نفسه في دائرة الأضواء قبل سنتين بعد أن ظهرت تصريحات إعلامية له مفادها بأنه يجب ألا يسمح للبنوك الغربية التقليدية بإصدار سندات إسلامية (وذلك من مخافة أن تستخدم أموال حملة الصكوك لدعم العمليات الربوية لهذه البنوك).
رد عليه رشدي صديقي (المدير العالمي السابق للمالية الإسلامية بتموسن رويترز)، بأن هذه التصريحات مخالفة لروح وطموحات (صناعة المال الإسلامية). وذهب إلى أن مثل هذه التصريحات كانت متوقعة من جماعات مناهضة للشريعة (يقصد تلك الجماعات التي تكافح لعدم توسع نشاط المالية الإسلامية في الأراضي الأمريكية).
وعرف عن عبدالغني جرأته في قول ما يراه صائباً حتى لو أغضبت جرأته المنتفعين من توسيع نطاق مشاركة البنوك الغربية في صناعة المال الإسلامية. والعبرة هنا ليست في الجرأة فقط بل في تفضيل كشف المخالفات الشرعية بدلاً من السكوت عنها، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن الوظيفي للمصرفي نفسه. وجرت العادة في مثل هذه القضايا الحساسة أن يلتزم المصرفيون الإسلاميون الصمت خوفاً من أن تساهم تصريحاتهم في التأثير على مسيرتهم العملية (حتى لو كان الأمر يعني أن تصريحاتهم ستساهم في حفظ أموال المسلمين من استخدامها بمنتجات غير متوافقة مع الشريعة). فمثل هذه المواقف الجريئة، التي تقدم فيها المصلحة العامة على الخاصة، قد تؤدي بهم إلى فقدان الوظيفة في وقت تقوم فيه البنوك بتقليص أعداد موظفيها بشكل غير مسبوق.