د. عبدالواحد الحميد
معروف أن المباني العامة، كالمدارس والمستشفيات وكذلك الأسواق والمساجد وجميع المباني التي يرتادها عددٌ كبير من الناس، تتطلب عناية خاصة في تصميمها وفي تنفيذ عمليات تشييدها وصيانتها ومدى مطابقة كل ذلك مع احترازات السلامة والأمن. وسبب العناية الخاصة التي يجب توفيرها هو أن أي خطأ يقع قد يؤدي إلى وفاة أو إصابة أعداد كثيرة من الناس. وهذه الاحتياطات معمولٌ بها في كل البلدان التي تحترم حياة البشر، ومن يُقصِّر في ذلك من الهيئات الرسمية والشركات الخاصة والمسؤولين في مختلف مواقعهم تتم محاسبته.
وعندما وقعت مأساة حريق مستشفى جازان الذي ذهب ضحيته أكثر من عشرين من النزلاء وعدد من الإصابات بسبب مخالفات جسيمة وتقصير واضح، تمنى الناس أن لا تتكرر مثل تلك المأساة سواء كانت حريقاً أو انهيار مبنى أو أي حادث ينتج عن الإهمال أو التقصير.
للأسف، وقعت حادثة مأساوية أخرى قبل أيام عندما سقطت مظلة مدرسة ثانوية للبنات في منطقة عسير، وتبيَّن أن المقاول الذي نصب المظلة قد ارتكب أخطاء فادحة لم ينتبه لها المشرف على المباني التعليمية في المكان الذي تقع فيه المدرسة، كما أن إدارة التعليم لم تتجاوب مع تحذيرات مديرة المدرسة التي تنبهت للأخطاء التي فاتت على المهندسين أو تجاهلوها إهمالاً أو غير ذلك بالرغم من أن المديرة بالطبع لم تكن مهندسة مثلهم، وهذا يعني أن الأخطاء كانت فادحة، وأن عدم تصحيحها كان تقصيراً فظيعاً! وقد كانت النتيجة، للأسف، أن إحدى الطالبات فقدت حياتها، وأن ما يقارب من ثلاثين طالبة تعرضن للإصابة.
وعلى خلفية ذلك، قام مسؤولون من وزارة التعليم بالرياض بزيارة الموقع وتفقدوا المبنى المدرسي المنكوب ومباني مدرسية وتعليمية أخرى، وتبين لهم وجود أخطاء ومشكلات فنية، فصدرت التوجيهات بإخلاء بعضها ونقل الطلاب للدراسة المسائية في مدارس أخرى، وهو ما يُذكّرنا بما جرى بعد حريق مستشفى جازان من زيارات قام بها وزير الصحة، وقياديون من الوزارة إلى المستشفى المنكوب والمستشفيات الأخرى في جازان، وما صدر بعد ذلك من بيانات وتصريحات وإجراءات نتمنى أنها نُفذت ولم تذهب أدراج الرياح.
والسؤال المحزن هو: هل من الضروري أن تقع مأساة مريعة في مبنى عام كي ننتبه إلى القصور في تصميماته الفنية وفي التنفيذ الإنشائي وفي إجراءات السلامة!؟ ألم يكن بالإمكان تلافي ذلك كله منذ البداية كي لا تتكرر الحوادث الكارثية!؟
أخيراً، لا شك بأن الناس ينتظرون ما ستكون عليه الإجراءات التي ستطال المقصرين، علماً بأن ذلك لن يعيد الحياة إلى الطالبة المتوفاة ولن يجلب السلوى لأهلها، لكنه قد يحمي أرواحاً بريئة أخرى في المستقبل.