«الجزيرة» - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية:
يمكن وصف الإدارة الاقتصادية بالمملكة في الماضي بأنها الإدارة بالنفط، «إيرادات نفطية تتحول إلى إيرادات حكومية» يتم ترجمته في إنفاق حكومي.. و»الحمد لله» تم إدارة هذه الفترات بكفاءة واقتدار في بناء وتجهيز البنية التحتية التي نعتز بها جميعا لكي ينطلق الاقتصاد الوطني في مرحلة جديدة لإدارة كفؤة للسياسة الاقتصادية تقوم على أفكار ومناهج متعددة في قيادة تنمية حقيقية مستدامة.
بسهولة للغاية، يمكن اكتشاف أن زمن التنمية الاقتصادية المجردة قد انتهى، وحان الآن موعد انطلاق التنمية المستدامة القائمة على إدارة خلفية وواعية لمواطن القدرات التنافسية للاقتصاد السعودي.
وقد بدأت شرارة هذه الفترة، بإنشاء مجلس الشئون الاقتصادية والتنمية بقيادة ولي ولي العهد صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان بن عبد العزيز، لتتوالى الإنجازات على مستوى الإدارة الاقتصادية، حتى يكاد لا يوجد قطاع أو نشاط اقتصادي إستراتيجي لم يتم إصلاحه أو تعديل سلوكه من مسار طبيعي (بعضها كان يسير بالفطرة الطبيعية) إلى مسار ممنهج حسب رؤية اقتصادية تخدم أهداف إستراتيجية موحدة في النهاية، تصب في هدف وحيد وهو الانفلات من بوتقة المورد النفطي الوحيد إلى اقتصاد متعدد الموارد والقدرات.
وزارة الاقتصاد والتخطيط إلى الصدارة
لقد بدأت هذه المرحلة بعودة قوية لوزارة الاقتصاد والتخطيط، والتحول الإستراتيجي الذي لا يمكن إنكاره في أهميته وهو تحديث مصلحة الإحصاءات العامة إلى هيئة الإحصاء، وتحديث وتطوير كافة إصداراتها وتوحيد فتراتها ونطاقاتها.
إدارة موحدة للسياسة الاقتصادية
من يراجع إدارة السياسة الاقتصادية بالماضي، ربما يكتشف تسابق عدة جهات وأطراف على إصدار القرارات والنظم التي تتعلق بإدارة الشئون الاقتصادية، حتى أن البعض كان يعتقد أن بعضها ينافس الأخريات في المضمون .. فهناك وزارة المالية ووزارة الاقتصاد والتخطيط ووزارة العمل ووزارة التجارة والصناعة ووزارة الشئون البلدية والقروية ووزارة الزراعة ومؤسسة النقد العربي السعودي والهيئة العامة للاستثمار وهيئة السوق المالية ومصلحة الإحصاءات العامة وغيرها.. جميع هذه الجهات كانت تصدر عنها قرارات تتعلق بإدارة سياسات اقتصادية في جانب أو مجال أو نشاط بعينه.. الآن تغير هذا الحال إلى إدارة سياسات موحدة يحكمها مجلس واحد، يقوم بإدارة خلفية لكافة الجوانب الاقتصادية.
الإدارة بالنفط في مقابل إدارة بالتنمية المستدامة
ينبغي معرفة، أن الإدارة بالنفط كانت سهلة لا تحتاج إلى مجهودات كبيرة، لأنها كانت أشبه بترجمة الإيرادات الحكومية الناتجة عن النفط إلى نفقات حكومية.. معظمها كان يتجه للإنفاق على البنية التحتية.. الآن، يمكن القول بأنه قد اكتملت البنية التحتية السعودية، وأن الاقتصاد الوطني مهيأ لانطلاقته الكبرى .. ولكن .. كيف سيسير ؟ وكيف سيدار؟
عندما تثار قضية خصخصة القطاعات الحكومية الآن، يوجد بالمملكة كيانات اقتصادية ضخمة حققت نجاحات غير معهودة، وتحسب بالنقاط الدولية وليس بالمحلية فقط.. فها هي أرامكو والخطوط السعودية ومؤسسات الصوامع والنوادي الرياضية ومنشآت حيوية كثيرة ومتعددة .. إنها تحتاج لإدارة!!
وعندما نتحدث عن منظومة الدعم الحكومي للمواطن وللقطاع الخاص، نكتشف أن دعم الوقود فقط بالمملكة يتجاوز الـ 500 مليار ريال سنويا .. فكيف بأوجه الدعم الأخرى؟ وعندما نحتاج لترشيد هذا الدعم كيف سيتم تطبيقه ؟ وعلام يجب رفعه أولا ؟ وكيف نفرق بين المواطن وغير المواطن ؟ وكيف نضمن استخدامه في رفع القدرات التنافسية للشركات الوطنية وليس مجرد اعتماد المنتج المحلي على مصدر للدعم الحكومي؟
قطاعات اقتصادية إلى الصدارة
مرحلة ما بعد النفط ،بدأت تنطلق الآن باكتشاف القطاعات الاقتصادية محل التميز النسبي، والتي غفلت عنها التنمية لسنوات طويلة .. فالسياحة أحد أهم القطاعات الاقتصادية بالمملكة وخاصة في ضوء التميز النسبي بوجود المشاعر المقدسة.. إلا إن المورد السياحي كان يستخدم خلال فترة الزخم النفطي بطريقة الطاقة الاستيعابية القصوى لخدمة المشاعر الدينية دونما الاهتمام بكونه مصدراً حيويا للإيراد الحكومي.. الآن، بدأت الرؤية الحكومية تسير في طريق تحويل العمرة وحدها لمورد حكومي رئيسي والانطلاق به من طاقة الـ 8 ملايين سنويا إلى آفاق الـ 30 مليون معتمر سنويا.
إطلاق الأفق لاقتصاد خدمي غير تقليدي
الرؤية القديمة للتنويع الاقتصادي، كانت تركز فقط على خلق قطاع صناعي موازي للقطاع النفطي.. إلا إن الواقع أثبت ضيق أفق هذه الرؤية ليصبح التركيز الآن على خلق اقتصاد متنوع الموارد، ما بين قطاعات صناعية وتصنيع تعديني وسياحية وخدمية وأعمال ولوجستيات .. إنها قطاعات جميعها قابلة للتنمية المستدامة بالمملكة .. ولكنها تحتاج إلى تخطيط وإدارة سياسات اقتصادية قوية ومتعمقة.
كيف ندير الإنفاق الحكومي النادر ؟ كيف نصنع سياسات مالية رشيدة ؟ كيف نصنع سياسات نقدية ؟ كيف ندير الريال مقابل الدولار ؟ كيف ندير الخصخصة ؟ كيف ندير التنويع ؟ كيف ندير التوطين ؟ كيف ندير الترشيد ؟ كيف ندير التحول ؟ كيف ندير البورصة مع الصكوك مع الاستثمار مع الإيرادات مع السيولة النقدية مع الأسعار مع الركود مع التوسع مع غيرها الكثير والكثير، إنها قائمة طويلة من السياسات الاقتصادية المتوازية، بل والمتداخلة أحيانا .. تحتاج إلى إدارة.. إنه مجلس الشئون الاقتصادية الذي بات ينسق ويخطط ويدير كل هذه الجوانب تحت مجلس وقيادة موحدة.