سمر المقرن
لم يخطئ الراحل الكبير غازي القصيبي حينما وصف وزارة الصحة بأنها «محرقة الوزراء»، فهو بهذا الوصف أصاب كبد الحقيقة، فهذه الوزارة استعصت على كل من تولّى حقيبتها، ولم يتمكن أحد من تطويعها بالشكل الأمثل الذي يأمله كل مواطن.
إن الرعاية الصحيّة تمثّل إحدى حاجات المواطن الأساسية، شأنها شأن توفير الأمن وتوفير السكن والتعليم، لذلك حظيت بعناية كبيرة واهتمام بالغ من قيادة هذا الوطن، فأنشأت المستشفيات والمدن الطبية وابتعثت أبنائها لدراسة مختلف التخصصات، حتى أصبح لدينا مجموعة من أمهر الأطباء وأفضلهم، كل ذلك بهدف تحقيق كل ما يحتاجه المواطنين من خدمات صحية بأعلى جودة.
وزارة الصحة ظلّت تحظى بميزانيات ضخمة لا تتوقف، وفي مقابل ذلك لم تكن الخدمات الصحيّة المقدّمة على درجة عالية من التميّز، فالمستشفيات الحكومية لدينا تعاني الكثير من المشكلات، حتى باتت مكاناً للعدوى، مثلما تسبّبت أكثر من منشأة صحيّة في الإصابة بمتلازمة الشرق الأوسط التنفسية «كورونا»، كما أن الحصول على الأسرّة وفتح الملفات لا يزال بحاجة إلى فيتامين «و»، ذلك الذي يحرم من يستحق ويمنح من لا يستحق، أما إهمال المرضى وجعلهم عرضة لأخطاء طبيّة متواصلة فهذا ملف لا تفيه المقالات مهما كثرت.
اليوم نحن أمام عهد جديد لوزارة الصحة، عهد نتأمل أن نشهد فيه الكثير من النجاحات والإنجازات، ذلك لكون من يقف على رأس هرمها الآن هو قائد مختلف وفريد من نوعه، وزير كسر تقليدية الوزراء وبيروقراطيتهم، وجعل عمله هو من يتحدث عنه، حتى أجمع الجميع على إمكاناته وقدراته الإدارية، فتوفيق الربيعة استطاع أن يكون متميّزاً بما قدّمه من عمل وجهد في جميع مناصبه التي تولاها.
بقدر ما خسرت وزارة التجارة توفيق الربيعة الذي تصدّى للكثير من المخالفات واستطاع تصحيح أخطاء تجارية وصناعية عدة، يمكن القول أن وزارة الصحة قد كسبته اليوم، لذلك هي تنتظر منه توظيف احترافيته المهنية لإنقاذ ما يمكن إنقاذه في وزارة ظلّت تعاني وتئن من الوجع من دون أن تجد علاجاً ناجعاً ينتشلها مما هي فيه.
ملفات عدة تنتظر الربيعة لوضع الوصفات العلاجية اللازمة لها، يأتي أبرزها التأمين الطبي لجميع المواطنين، وضمان الحصول على خدمات صحيّة أفضل، وتسريع العمل على بعض المدن الطبية والمستشفيات المتعثرة، إضافة إلى النظر في ملفات البطالة التي يعيشها عدد من خريجي الدبلومات الصحيّة في ظلّ تزايد استقطاب الأطباء والممرضين من الخارج في التخصصات التي نحتاجها والتي لا نحتاجها، كما أن التصدّي لملف الأوبئة يتطلب وصفة من نوع خاص، فـ»كورونا» لا يزال يتجوّل في بلادنا من دون أن نضع حداً له، في الوقت الذي استطاعت كوريا الجنوبية -مثلاً- القضاء عليه في غضون فترة وجيزة لم تصل حتى لستة أشهر.