محمد جبر الحربي
1.
للشجرةِ مثلكِ شفتانْ.
تصحو وتسبّحُ كالطيرِ معَ الفجْرِ فتختلجُ الأغصانْ.
للحرّةِ قلبٌ وضميرٌ ويدانْ.
ولها صدْرٌ يتّسِعُ كما الصبْرْ.
يسمعُ بوحَ الفقراءِ..
فينتثرُ القمحُ وفاكهةُ الحبِّ ويزهو فوقَ موائدِنا التمْرْ.
يُمطرنا التفّاحُ، فتشتعلُ العينُ،
ويفرحُ أطفالُ الحقلِ
إذا ما رافق تفاحَ الخدِّ الرُّمَّانْ.
والشجرةُ تدعو اللهَ وتمشي فلها قدَمَانْ.
تُعطي هذا، وتُظلِّلُ ذاكْ.
فيما يُحرِقُ بالحربِ الكونَ الإنسانْ.
2.
آهٍ ممَّنْ سرقَ العمرَ وكان يريدُ مزيداً منهُ فقلتُ لهُ:
تبّاً يا لصَّ الأوقاتِ ولصَّ البسطاءِ
تظلّ تُردّدُ: رأسُ المالِ جبانْ.
حاولَ لكني استقبلتُ طريقي غَضِباً ومضيْت.
أمَّا مملكةُ الشعرِ فقد سرَقتْني ثم ببسمةِ مَنْ يملكُ قالت:
نفَدَ الوقتْ.
قلتُ لها: مهلاً ما زالَ هنالك منهُ بقايا في البيْتْ.
هاتي معكِ اللصَّ سنرفعُ هذي الليلةَ نخبَ الأوطانْ.
ابتسم القلبُ على فقرٍ واحتشدَ الطيرُ يهنئني فوقَ الأغصانْ.
عندي لصَّانِ ولا سكّرَ عندي، لا خلَّ، ولا قطرةَ زيْتْ.
3.
يا واحدةً منْ أهْلي.
يا أطولَ منّي لكنّكِ كجمالِ الأشجارِ، وطَيْرِي،
وفَراشٍ لا يُبصرُ حيّاً قتْلي.
أنتِ أنا روحٌ تشبهني.. مثلي.
يا أجملَ ما يظهرُ للخلقِ بصحوٍ نامي.
لم يُقنعْ هذا العالمَ عِلمي،
لنْ يُقنعَ يا سيدتي هذا العالمَ جهْلي..!
يا أجملَ ما يظهرُ للخلقِ بصحوٍ،
نامي في الجبلِ العالي من حلمٍ وخيالٍ،
يا طالبةً للضوءِ ومانحةً،
يا نورَ خيالي.
فالعالمُ مختلطٌ، والناسُ لدينا تستسهلُ
حتى قالتْ من لا تعلمُ، منْ لا عقلَ لها
يا اللهْ..!
إنّ لهُ عقلاً يُشبهُ عقْلي..!
4.
أرجوكِ لو غفوتُ يا حبيبتي،
لو ساعةً من الزمنْ.
لا تُغلقي الأبوابْ،
فربّما أتى الضيوف:
الشِّعرُ، والغناءُ، والأصحابْ.
وربّما أتى الذي نحبّهُ
فأدخليهْ.
قلبي عليهْ
لا تسأليهِ ما اسمُهُ.. فديتُهُ
مَنْ غيرُهُ..
فذا الوطَنْ..!
5.
هذا ما كان الليلةَ يا صاحْ:
بين جناحين من الحلمِ،
وما يمنحُهُ الحبُّ من العينين ارتاحْ.
يحلمُ..
هذا العالمُ لا يعلمُ معنى خفقِ جناحٍ يسعى لجناحْ.
تدمعُ..
تلك الحاليةُ..
وما كان سوى العطرِ إذا خطرتْ.
لا يُشبههُ في العالمِ دفئاً غيرُ وشاحْ.
تلك الطفلةُ..
نمسحُ عينيها في رفقٍ،
ونقولُ لها من قلبِ القلبِ: سماحْ.
هذا العالمُ يتهاوى،
حتّى صِحْنا بالشجر العالي،
لنْ يُنقذَ روحَ النخلةِ فينا
إلا شاعرُها الفلّاحْ.
6.
أَيُدْرِكُ قَاتِلي تَعَبِي..؟!
أيُدْرِكُ أنَّنِي مُذْ فَتَّحَتْ عَينَيَّ أسْئِلَتِي.
حَمَلْتُ الماءَ فِي كَفَّيَّ،
كانتْ أنْهُراً فِي العُمْقِ لمْ يَسْقُطْ بِهَا حَجَرٌ،
ولا اغْتَسَلَ الحَمَامُ على جَداوِلِهَا،
ومَا انْفَكَّتْ يَدِي إلاَّ بِسُنْبُلةٍ.
وأُدْرِكُ قَاتِلِي كَلِفٌ بِأُغْنِيَتِي..!