(نيويورك تايمز) - أمريكا:
«غضب من أجل النظام: الشرق الأوسط في اضطراب، من ميدان التحرير إلى داعش»، كتاب صدر حديثا من تأليف: روبرت ف. وورث، يحكي قصة الربيع العربي الذي بدأ في عام 2011 وانزلاقه نحو السلطوية والحرب الأهلية، وهي قصة يحكيها الكتاب بطريقة أفضل مما كنت أتخيل، فهو ليس مجرد كتاب ولكن قصة خلابة ترسم فصولها صورة كاملة للأحداث موضوع الكتاب. المؤلف هو مراسل سابق لجريدة النيويورك تايمز، واستطاع أن يوظف مهاراته الصحفية لسرد تاريخ الربيع العربي بعرض قصص لأفراد مختلفين، تداخلت حياتهم مع تلك الأحداث الدرامية، وبالرغم من أن تلك الطريقة في السرد القصصي تعتبر قديمة نوعًا ما، إلا أنها نادرًا ما حُبكت بهذه المهارة.
عانى الباحثون والخبراء وصناع السياسات لأجل توضيح أحداث الشرق الأوسط في عام 2011، ولكن الإجابة الأبسط تظل هي الأفضل، فقد ملت شعوب الشرق الأسط من ظروفها الاجتماعية والسياسية، وبعد عقود من تدهور الاقتصاد والفشل في الأنظمة الاجتماعية التي لم تعد صالحة للعالم المتعولم حولهم، نزلوا إلى الشوارع طلبا للتغيير. ولكن كما تظهر قصص وورث في هذا الكتاب، استطاع المتظاهرون أن يتوحدوا في معارضة الأنظمة القديمة، لكنهم انقسموا بشأن ما الذي يجب أن يفعلوه بعد ذلك. الكثير منهم ربما فكر بسطحية شديدة، وظنوا أن حياتهم سوف تتحول إلى جنة بمجرد سقوط النظام. المشاعر الفياضة ذاتها هي التي نقلت شعوب الشرق الأسط من البهجة إلى غضب الحرب الأهلية، حيث لم يكن هناك أي شيء يمكن أن يحل محل الأنظمة البالية في سوريا وليبيا واليمن حيث دخلوا جميعا في حالة من الفوضى. والفوضى أنتجت خوفا، والخوف أنتج عنفا، والعنف أنتج انتقامًا وغضبًا ومزيدًا من العنف. جميع تلك الدول سقطت الآن في فخ الإشعال الذاتي للحرائق التي يمكن بسهولة أن تظل مشتعلة لعقود. فقط تونس هي التي حاولت بشجاعة أن تخلق شيئًا قريبا من الديموقراطية، ولكن لا يزال أمامها طريق طويل قبل أن نستطيع أن نصدر حكمًا على تجربتها.
وفي الشرق الأوسط، كما في حروب أهلية عديدة، فإن الفوضى تغذيها الوحشية، فشخصيات وورث التي جلبها في كتابه، مثلها مثل الكثيرين في المنطقة اليوم، يخشون دائمًا على حياتهم وعلى حياة عائلاتهم؛ فهم يسمعون شائعات عن رجال أشرار يقتلون أي شخص يختلف عنهم ، «الآخرون»، سواء كانوا سنة أم شيعة في العراق، سنة أم علويون في سوريا، من بني غازي أو من طرابلس في ليبيا، أو أي من الاختلافات الأخرى. كل طرف كان يتحد مع طائفته من أجل الأمان، ثم بعد ذلك يصبون جام غضبهم على الآخرين مبررين ذلك بأنه دفاعا عن النفس. ولكن القتل يجلب قتل ثأري، والأكثر وحشية يرون في العنف فرصة للحصول على القوة والسلطة التي لا يمكن الحصول عليها إلا عن طريق المزيد من القتل. ولكن كم عدد الرجال والنساء أبطال كتاب وورث وحكاياته الذين يمكن أن يقفوا أمام تلك المذابح العديمة المعنى؟
بالرغم من أن قصص وورث تدور وسط الفوضى، إلا أن الحكايات كلها متداخلة مع بعضها بصورة لا نهائية، وكل قصة تقدم وجهة نظر معارضة للأخرى، ولكن حبكها المؤلف بطريقة انسيابية لا تصدم عقل القارئ. وهذا الأسلوب سمح للكاتب بأن يجمع بين متناقضات المنطقة، المرأتان اللتان تمزقت صداقتهما بسبب العواصف السياسية السورية تأتي قصتهما في مقابل امرأتين أخريتين في تونس استطاعتا أن تعقدان صفقات سياسية مع الآخرين وجمعتا مختلف الأطراف مع بعضهم البعض أملاً في منع دمار مشابه يأتي على الأخضر واليابس في بلدهم. وتلك الصداقة وفرت خلفية مثالية لتجسيد تلك الاختلافات: القوة في مقابل الضعف، الاحتواء مقابل الطرد والإبعاد، محاولة القضاء على الموج بدلا من ركوبه. وفي المقابل فإن النجاح النسبي للغنوشي في تونس يقابله الفشل التام للأخوان في مصر. هذه الأحداث كلها تتلاقى في عقل القارئ مثل موسيقى أوركسترا بارعة تخلق جوًا من الإبداع يجمع مختلف أجزائها مع بعضها البعض.
كل الروايات الخيالية العظيمة كانت من إنتاج فلاسفة عظام، يتأملون أسس الحياة الإنسانية، بينما القليل من الأعمال الواقعية تستطيع أن تصل إلى ذلك المستوى، ولكن وورث استطاع ذلك، ولمس حقائق أساسية بشأن الظروف الإنسانية، فالشرق الأوسط الذي يرسمه للقارئ هو دول حرب الكل ضد الكل، فأبطال القصة يجب عليهم أن يصارعوا بقدر ما يستطيعوا ضد القوى المجهولة من الإرادات الجماعية لمعارضيهم وضد الظروف التي تخرج عن نطاق سيطرتهم أيضًا.
الأسلوب في كتاب «غضب من أجل النظام» جاء جميلاً للغاية كما أن السرد القصصي جاء سهلا لدرجة أنك لا تدرك الكم الكبير من المعلومات التي تحصل عليها أثناء القراءة، فكلما تقرأ هذا الكتاب كلما تفهم المزيد بشأن تلك المنطقة المضطربة والناس الذين يعانون من أجل إيجاد طريقة للعودة إلى حياة طبيعية هادئة.
كينيث م. بولاك - كبير باحثين بمعهد بروكنجز