جواندونج - «الجزيرة»:
تصاعدت حدة التوتر حول النزاع الدائر بشأن جزر بحر الصين الجنوبي في الأسابيع القليلة الماضية. وتشهد حدة التوتر تزايداً كلما اقترب موعد إصدار الحكم المرتقب من قِبل محكمة العدل الدولية بشأن النزاع بين الصين والفلبين حول ملكية الجزر المتنازع عليها بين الطرفين في تلك المنطقة. الصين كانت قد رفضت أن تكون طرفاً في تلك القضية المرفوعة أمام المحكمة الدولية، وأعلنت بشكل قاطع أنها لن تقبل بحكم المحكمة الدولية المتوقع صدوره في نهاية هذا الشهر أو خلال يونيو المقبل.
وقد بدأت الصين حملات مكثفة في المنطقة والعالم للحصول على دعم مختلف الدول لمساندتها وتأييد موقفها. وذكرت الجهات الرسمية في الصين بأن عدداً من دول آسيا وأوروبا وإفريقيا أبدى دعمه لموقفها وأعرب عن تأييده للمبدأ الذي تتبناه بهذا الشأن والمتمثل في أن النزاعات الإقليمية والحدودية يجب حسمها من خلال المفاوضات والحوارات بين الدول المعنية دون اللجوء إلى أطراف خارجية. ومن بين الدول التي ذكرت الصين أنها أبدت دعمها: روسيا والهند وبولندا والسودان وباكستان وبيلاروس، وحتى بروناي التي توجد بينها وبين الصين نزاعات حدودية مماثلة.
ولا شك أن الحصول على دعم المزيد من الدول كان ضمن أجندة وزير الخارجية الصيني حين حضر إلى منطقة الشرق الأوسط مؤخراً، عندما جاء لحضور الاجتماع السابع لمنتدى التعاون العربي - الصيني في قطر. حيث أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية لو كانج بعد انتهاء أعمال المنتدى بأن الدول العربية أعربت عن مساندة الجهود المبذولة من قبل الصين للتوصل إلى الحل السلمي لأي نزاعات إقليمية أو بحرية من خلال الحوار.
وأشار إلى أن ما ورد في البيان الختامي للمنتدى وكذلك الموقف الذي تبنته الدول العربية يتطابق مع الممارسات الدولية لفض المنازعات عبر المشاروات والمفاوضات. وأكد أن الدول العربية أكدت أهمية الالتزام باتفاقية الأمم المتحدة الخاصة بقانون البحار واحترام حقوق الدول ذات السيادة في تقرير الطريقة التي يريدون اتباعها لحل خلافاتهم.
يرى الدكتور بوني جلاسير التابع لمركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في الولايات المتحدة أنه لا ينبغي تضخيم أهمية الدعم الذي تتلقاه الصين من دول العالم المختلفة حيال موقفها في هذه القضية، حيث إن هذا الدعم قد لا يكون عنصراً قوياً في حسم النزاع.
بل إن وسائل الإعلام الرسمية الصينية حذرت بدورها من التعويل بصورة كبيرة على الدعم الذي تتلقاه الصين من قبل مختلف دول العالم تضامناً مع موقفها، مشيرة إلى أن مثل هذا الدعم ليس هو الفيصل في إثبات سيادة الصين على تلك المناطق المتنازع عليها.
وبالرغم من أنه ليس واضحاً حتى الآن طبيعة رد الفعل الذي ستتخذه الصين في أعقاب صدور حكم المحكمة الدولية إلا أنه من المؤكد أن صدور الحكم في صالح الفلبين من شأنه إضعاف موقف الصين في النزاعات الإقليمية والحدودية المماثلة في المنطقة، كما أنه قد يشجع المزيد من دول الجوار على فتح ملفات قضايا مماثلة تتعلق بمنازعات حدودية مع الصين.
بالإضافة إلى الفلبين هناك عدد من الدول الأعضاء في الآسيان مثل فيتنام وماليزيا وبروناي توجد بينها وبين الصين نزاعات حدودية مشابهة. وقالت الصين في تصريح رسمي الشهر الماضي إنها توصلت لاتفاق مع كمبوديا وبروناي ولاوس يتضمن الموافقة على أن تسوية النزاعات الحدودية ينبغي أن تتم من خلال المفاوضات بين الأطراف المعنية وأن تلك النزاعات لا ينبغي أن تؤثر على علاقة الصين بالآسيان.
الولايات المتحدة من جانبها لم تتحفظ في مهاجمة الصين، فقد قال وزير الدفاع الأمريكي إن الصين تهدد الاستقرار في المنطقة، وذكر أن الولايات المتحدة قلقة بشأن ما أسماه عمليات بناء جزر صناعية في بحر الصين لافتاً إلى أن حجم المنشآت التي أقامتها الصين يفوق ما أنشأته دول الجوار مجتمعة، مشيراً في الوقت نفسه إلى أن تصعيد عسكرة تلك الجزر قد ينجم عنه تفاقم الصراع في المنطقة.
وتشير تقارير وزارة الدفاع الأمريكية إلى أن عدداً من دول الجوار قامت ببناء منشآت ومشروعات في منطقة بحر الصين وكان أغلبها قبل عام 2002، إلا أن الصين قامت باستصلاح 1200 هكتار من الأرض في تلك المنطقة خلال العامين الماضيين فقط. أما بكين من جانبها فتقول بأن الجزر الصناعية وما عليها من مشروعات ومنشآت عسكرية تهدف بالأساس إلى خدمة أغراض ومصالح مدنية.
أما واشطن فقد أكدت حرصها على الحفاظ على ما أسمته حرية الملاحة في الممرات المائية في تلك المنطقة، وقال الرئيس الأمريكي باراك أوباما إن الصين يتعين عليها الالتزام بالمعاهدات والأعراف الدولية. وكان الرئيس الأمريكي قد انتقد الصين مؤخراً في مقابلة تليفزيونية قائلاً إنه كان الأجدر ببكين أن تلتزم بالقوانين والأعراف الدولية فيما يتعلق بالنزاعات في بحر الصين الجنوبي بدلاً من اختيار منطق القوة.
ولا يختلف موقف وزارة الخارجية البريطانية كثيراً عن الموقف الأمريكي، حيث قالت إن الصين يتعين عليها الالتزام بحكم المحكمة الذي يُعد ملزماً لكافة الأطراف.
وقامت وزارة الخارجية الصينية بإصدار إعلان حاسم حول رفع القضية إلى المحكمة الدولية، حيث قال كوانج ينج رئيس قسم الشئون الحدودية بالوزارة مؤخراً بأن التحكيم ليس سوى «مهزلة سياسية ذات غطاء قانوني». واتهم المحكمة بأنها تخلت عن حيادها بقبولها هذه القضية رغم معارضة الصين.
وسائل الإعلام الصينية وصفت القضية بأنها مجرد خدعة من جانب الولايات المتحدة لإذكاء المشاعر المناهضة للصين في المنطقة ووصفتها بأنها محاولة من جانب واشنطن لمناوأة الصين. وقالت صحيفة الشعب الناطقة بلسان الحكومة الصينية بأن قضايا بحر الصين ما هي إلا ذريعة من جانب الولايات المتحدة للتدخل في الشئون الإقليمية وتصعيد التوتر في محاولة منها لعزل الصين عن محيطها الإقليمي.