د. عبدالواحد الحميد
قبل أيام مرت الذكرى المئوية على تفتيت العالم العربي عندما وقَّع الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس معاهدة سايكس بيكو التي تم بموجبها اقتسام معظم المنطقة العربية بين كلٍ من فرنسا وبريطانيا.
ومنذ أن عرفنا أنفسنا أطفالاً صغاراً على مقاعد الدراسة ونحن نسمع معلمينا يروون قصة اقتسام العالم العربي وما جرى من «مؤامرات» بين الدول الكبرى في خضم الحرب العالمية الأولى، وكيف أن الأمور إنتهت نهاية سعيدة بعد الحرب العالمية الثانية فاستقلت البلدان العربية ولم يبق إلاَّ فلسطين التي قيل أنها سوف تتحرر قريباً، وأن العالم العربي في طريقه إلى تحقيق وحدة إندماجية بين دوله التي مزقها الاستعمار.
ما حدث بعد ذلك معروف، فلا الوحدة الاندماجية أو غير الاندماجية تحققت، ولا فلسطين تحررت! بل أن الأنكى من ذلك أن ما تبقى من فلسطين، بما في ذلك القدس، تم احتلاله من الإسرائيليين وعندما اعترفت دولٌ عربية بـ «إسرائيل» وتبادلت معها التمثيل الدبلوماسي تنازلت «إسرائيل» عن شيء من «سيادتها» على الضفة الغربية وقطاع غزة، فما كان من إخوتنا الساسة الفلسطينيين إلا أن سارعوا إلى إيجاد حكومتين متنازعتين: واحدة في الضفة والأخرى في القطاع!
غير أن هذا ليس إلا جزءاً من الحكاية، فتسلسل الأحداث انتهى بنا إلى أن بعض الدول العربية التي كنا نظن أنها راسية تفتت هي الأخرى مثلما حدث في زمن سايكس الإنجليزي و بيكو الفرنسي، بل أشنع بكثير!!
واليوم بعد مرور مائة عام بالتمام والكمال على توقيع معاهدة سايكس بيكو لم يعد موجوداً من وعود النهضة التي أطلقها مفكرو وأحرار العرب للانعتاق من التبعية العثمانية ثم من التبعية الاستعمارية إلا السراب ودولة تنظيم داعش وجيوب القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى التي تتسمى بمختلف التسميات في طول العالم العربي والإسلامي وعرضه!
إنتهت الأحلام العربية الجميلة «التي عشنا بها زمناً رغدا» وصار أبلغ تعبير عن الحالة العربية هو قوارب الموت التي تحمل المهاجرين السوريين عبر البحار إلى أراضٍ لا ترحب بهم ولا تريد أن تفتح حدودها لهم! هذا هو حالنا بعد مائة عام من الخيبات المتلاحقة! صحيح أن هناك قصص نجاح في مجال التعليم والصحة والعمران بمستويات مختلفة من بلد عربي إلى بلد آخر، لكن المحزن هو ان ما تحقق لم يكن إلا جزءاً صغيراً مما كان يمكن تحقيقه، وما يدمي الفؤاد هو الخطر الوجودي الذي يتهدد الأمة العربية الغافلة عن كل ذلك والغارقة في نزاعاتها وحروبها الأهلية وبؤسها العظيم.