فيصل خالد الخديدي
التكريم فعل إنساني نبيل وحالة شكر وجدانية لا تصدر إلا من حس راقي لأفراد أو مؤسسات راقية تجاه مبدع أو مُنجِز قدم شيئا مُثمنا يستحق التكريم, وانتشار ثقافة التكريم في أي مجتمع دليل على نضجه وتقديره لقدرات أبنائه وإحساسه العالي بأهمية ما يقدمه مبدعو هذا المجتمع ,وتقدير منجزاتهم بالتكريم يعد دعماً لاستمرار عطائهم وتحفيزاً لغيرهم للسير في طريق إبداعهم, وهي لمسة وفاء وشهادة عرفان بما قدمه المُكرم من جهد وفكر استحق عليه التكريم ,وبعض المجتمعات لا تتنبه لمبدعيها ومنجزيها إلا بعد رحيلهم وتغييب الموت أو الفقد والعجز لهم ويأتي التكريم في صورة باردة بليدة تفتقد لإنسانيتها وقيمتها وكأنه عقاب يمنح له بعد وفاته أن حرم الفرح بمنجزه وتثمين مجتمعه له في حياته, إن تكريم المبدع وهو على قيد العطاء محفز لاستمرار العطاء وبداية مرحلة لشحذ الهمم من جميع الطامحين والعاملين لنيل ما يستحقون من تكريم وتقدير لإبداعهم وعطائهم.
وفي الساحة التشكيلية المحلية يأتي تكريم التشكيليين من الأولويات والاحتياجات الغائبة عنها كثقافة مجتمعية ومؤسساتية و يتقاسم الغياب فيها أيضا كثير من متطلبات وأساسيات الحياة التشكيلية المستحقة من المؤسسات الثقافية والفنية الحكومية والخاصة وحتى وزارة الثقافة والإعلام ومؤسساتها تغفل كثيراً ثقافة التكريم للفنون التشكيلية وفنانيها عدا بعض الجهود الشخصية والخاصة التي لا تفي بالغرض ولا تسد الرمق ولا تحفز على الاجتهاد والتحدي لمواصلة الإبداع والتميز في الفعل التشكيلي المحلي , فلا الفنانين الراحلين نالوا حقهم من التكريم والثناء على جهودهم لا في حياتهم ولا بعد رحيلهم ولا المناضلين الباقين على قيد العطاء نالوا شيئاً مما يستحقون فلا الرموز التشكيلية المحلية كرمت ولا المواهب الشابة قدرت, وهو ما أفرز لهث وراء التكريم من عدد من الفنانين ووصل الحال ببعضهم إلى البحث عن التقدير والتكريم ولو كان مسبوق الدفع أو تكريم وهمي ينشره على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الصحف الإلكترونية ليشبع نهما شخصيا ويرتق ضعفا ذاتيا ,في إسقاط واضح وفاضح للمبادئ والقيم التشكيلية والثقافية وحتى الإنسانية فتقدير الفنان لفنه وإبداعه يأبى عليه أن يعرض نفسه كسلعة ليستجدي تكريما أو تقديراً.
التكريم ليس أوسكارات وهمية ولا شهادات توزع لمن يستحق ومن لا يستحق فهو قيمة إنسانية تفقد قيمتها إذا أسرف في صرفها في غير وجهتها الحقيقية, ويأتي التكريم بمنهجية وتقنين حقيقي بعيدا عن المجاملة والإسراف وحتى التقتير وله أشكال عدة تحفظ شيئا من قيمة المكرم وتجعله هدفاً يشجع غيره لتحقيقه, فكتاب بسيرة فنان مكرم وأعماله أفضل من آلاف الشهادات والهدايا ومتحف أو قاعة تخلد اسم فنان خير من مئات الدروع والأوسمة وأسم فنان على ميدان أو حتى شارع خير من ممرات زائلة في معرض كتاب مضى وإطلاق جائزة باسم فنان مكرم تعد إضافة للساحة التشكيلية وقيمة حقيقة, إن تكريم الفنان بمثل ذلك يُعد تكريماً للتكريم.