ناصر الصِرامي
قبل 11-9 الشهير كانت حركة الأموال أسهل، بل حركة البشر وسفرهم وتنقلهم عبر العالم كان أكثر حرية، ذهب الزمن الذي كنّا نحصل فيها على فيزا لزيارة الغرب في أيام معدودات كحد أقصى، وحيث كان تحويل أي مبلغ من المال، لا يحتاج لكل الأوراق والوثائق والمعلومات كما يحدث الآن.. بشكل معقد وموثق.
تتبع التحويلات المالية لجمعية خيرية أو بناء مسجد وغيرها.. أمر ممكن، ومن الممكن أن تتسرب أموال منها لأفراد وجماعات بحسن نية أو سوئها أو استغفال النوايا الطيبة لتجد نفسها في دائرة الإرهاب ومتورطة فيه، أو لها علاقة مباشرة أو غير مباشرة لمخططي أو منفذي اعتداءات 11 سبتمبر.. فنيًا يمكن إثبات ذلك بسهولة..
لكن علينا أيضًا أن نرى الأمور في سياقها الزمني، والثابت هنا أن العالم بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر ليس كما هو قبل. وندرك الآن جيدًا وعلى الأقل، أن زمن التبرعات والنوايا الطيبة، واستغلال المحرضين، واستغفال الدعاة والمدعويين. وتقديمها دون تمحيص..الخ.. قد ذهب دون عودة.
لكن قصة سبتمبر تخبرنا أنه من بين 19 إرهابيًا قادوا تفجيرات ذلك اليوم، هناك 14 سعوديًا بينهم. وهناك سعوديون متورطون في أعمال إرهابية عنيفة داخل وطنهم وخارجه، بل هناك مشائخ دين ودعاة متهمون بالتحريض والتجنيد الإرهابي في أكثر من بلد.
لكن هل السعوديون فقط من أخطأ.. ومن تورط فقط، طبعًا لا. هل هم المعنيون بالقانون الأمريكي الجديد «العدالة ضد الإرهاب»..؟
نتحدث عن التسعينيات، حينها لم تكن الجمعيات الخيرية والتبرعات النقدية محكومة بأي ضابط، وكان مجرد المطالبة بذلك يعد تعديًا على العمل الخيري ومحاربة له وللدين ربما، وكما يسعى أصحاب النوايا العدوانية والشريرة إلى استمرار الفوضى دائمًا، تجدهم ضد أي تنظيم يحكم نشاطاتهم ويحصيها.
دائمًا أذكر أن السعودية هي أكثر بلد في العالم تعرض لهجمات إرهابية نوعية من الداخل وفي الداخل، وأكثر بلد واجه الإرهاب والإرهابيين وخلاياهم وجنودهم. لكن ذلك لا يمنع أبدًا من جدية التشريع الأمريكي.
المحاسبة أو المحاكمة هي بالتأكيد مالية بالدرجة الأولى، أي التمويل الذي قد يكون وصل لمنفذي تلك الأحداث ومن ساعدهم وساندهم لوجستيًا!
في الوثائق التي حذفت عنها كلمة «سرية» تحت عنوان «نظرة مقتضبة إلى صلات سعودية محتملة» و»صلات حكومية سعودية أخرى محتملة»، ترد أسماء سعوديين يفترض أنهم أقاموا اتصالات أو علاقات مع الخاطفين. لكن نظرة سريعة لما هو متوفر تكشف أنه أكثر المعلومات الواردة فيها معروفة وتم تداول بعضها في وسائل الإعلام، وهي تتحدث عن فرضيات وصلات محتملة لا أدلة ثابتة عليها.
العلاقات الاستراتيجية القوية بين الرياض وواشنطن والمصالح الأمنية والسياسية والعسكرية والاقتصادية المتبادلة لها دور كبير في حرص الإدارات الأمريكية المتعاقبة على عدم الإضرار بهذه المصالح من قبل بعض المحامين المتنفذين في مجلسي الكونغرس الذين يجدون فرصًا مالية محتملة من أي دعاوى قضائية للتعويض.
الرئيس باراك أوباما يتوقع أن يرفع الفيتو في وجه طمع المحامين، وزارة الخارجية معترضة على القانون.
السعودية ترى أن إقرار القانون لا يختص بتهديد المصالح الاقتصادية وغيرها بين الرياض وواشنطن بل وإلى مبادئ العلاقات الدولية وإن إلغاء مبدأ الحصانات السيادية، الأمر الذي سيحول العالم من القانون الدولي إلى قانون الغاب.
من الواضح أن أمامنا جولة طويلة من الصداع السياسي والإعلامي.. يفترض ألا نتجاهله ولكن نتعاطى معه بجدية مستحقة، دون صخب وتنديد وصراخ..!