إعداد - وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ«الجزيرة»:
حسب احصاءات مؤسسة النقد العربي السعودي «ساما» لشهر مارس 2016م، وصل حجم الاحتياطيات المالية للمملكة إلى نحو 2245 مليار ريال، أو ما يعادل 601 مليار دولار، منها نحو 1.5 تريليون ريال استثمارات في أوراق مالية بالخارج، ونحو 496 مليار ريال ودائع في بنوك خارجية، ونحو 233 مليار ريال في صورة نقد أجنبي وذهب، إضافة إلى 33 مليار ريال نقدية بالصندوق.
وبناء عليه، فإن هذه الاحتياطيات تتوزع على 65 في المائة كاستثمارات في أوراق مالية، ونحو 22 في المائة ودائع بنكية بالخارج، و10.3 في المائة ذهب ونقد أجنبي.. وبالتالي، فإن ثلثي هذه الاحتياطيات تستثمر في أوراق مالية أجنبية، وهذه الاستثمارات الأخيرة من المعروف أنها الأعلى في تحقيق الأرباح وخصوصًا عندما نعلم أن أغلبيتها كانت تتركز في سندات خزانة أمريكية، وهي من سنوات طويلة تعد الأداة الاستثمارية الأكثر أمانًا في العالم تقريبًا، حتى بالرغم مما عاناه الاقتصاد الأمريكي من مشكلات وصعوبات خلال السنوات الأخيرة.. بل إن هذه السندات تعد أداة استثمارية قليلة المخاطر، بشكل يضمن استثمارًا آمنًا لاحتياطيات دولة.
ومؤخرًا، كثر الحديث عن الاحتياطيات المالية للمملكة نظرًا لما يثار حول اقتراضها، حتى إن البعض يعتقد أن المملكة أصبحت لا تمتلك أي احتياطيات مالية، بدليل أنها تقترض من الداخل والخارج.. ولكن هذا الاعتقاد غير صحيح، لأن احتياطيات المملكة حققت زيادات مذهلة خلال السنوات العشر الأخيرة.. بلغت نحو 155 في المائة، وبمعدل سنوي بلغ 15.5 في المائة، وهي دليل على نجاح السياسة الاقتصادية والمالية للمملكة على المدى البعيد.. وعلى الرغم من كل ما يثار عن قروض المملكة التي ناهزت في آخرها نحو 10 مليارات دولار، فإنها لا تزال تمتلك احتياطيات تزيد عن 600 مليار دولار.. ولكن معطيات السياسة الاقتصادية أن تقوم الدولة بالاقتراض من الخارج في نفس الوقت الذي قد تحتفظ فيه بودائع لدى دول أخرى أو ربما تقوم أو ترفع استثماراتها في أدوات أو أوراق أو سندات أو أسهم أجنبية لدى دول أو بنوك بالخارج.
بل الشاهد، أن المملكة لا تزال تحتسب ضمن الدول العشرة الأوائل من حيث إجمالي الاحتياطيات المالية والأجنبية، فالمملكة في عام 2014م جاءت في المرتبة الثالثة من حيث الدول الأعلى من حيث الاحتياطيات بقيمة بلغت 744 مليار دولار.. وهي مرتبة تسبق سويسرا والولايات المتحدة الأمريكية وروسيا وألمانيا وهي دول صناعية ومتقدمة وتحسب على أنها اقتصاديات قوية.. بل إنه حتى بعد التراجع الطفيف الذي حققته الاحتياطيات السعودية المالية خلال العام الأخير التي بلغت معه تحو 601 مليار دولار، فإنها لا تزال أكبر من مستوياتها في الولايات المتحدة الأمريكية الذي لم تتجاوز خلال عام 2014م نحو 434 مليار دولار.
وتتجاوز حجم الاحتياطيات السعودية مثيلتها لكل من الولايات المتحدة وألمانيا مجتمعتين، على الرغم من الهالة والتباهي الصناعي والاقتصادي لكلاهما باعتبارهما من أقوى الاقتصاديات الصناعية.
البعض يفسر الاقتراض الكبير للمملكة بنضوج الاقتصاد الوطني والبعض الآخر يفسره بطاقاته الاستيعابية الكبيرة.. ولكن وحدة الأبحاث والتقارير الاقتصادية بـ «الجزيرة» تعد ما تمر به المملكة الآن بمنزلة حراك اقتصادي غير معهود سيقود الاقتصاد الوطني إلى التحرر من قيود المورد الوحيد..
ولا يخفى أن هذه المرحلة كانت دومًا مثار خوف وقلق من الساسة الاقتصاديين، والآن، المملكة تخترقها وتخترق مرحلة اللا نفط بلا خوف أو قلق.
ولا يتوقع أن تعبر المملكة المرحلة اللا نفطية الأولى بسهولة، بل إن ما تمر به الآن من اهتزازات مالية تعد أقل كثيرًا من المتوقع لدى المحللين دومًا ومنذ سنوات الطويلة.. البعض كان يتحدث عن «إدمان نفطي» سيسبب اهتزازات عنيفة للمملكة، وبالغ بعض المراقبين في توقعاته بأن الاقتصاد السعودي ليس في مقدوره الحياة من دون النفط.. ولكن والحمد لله المملكة عبرت سنة كاملة بلا نفط وبلا إيرادات نفطية.. وسايرت مستويات أسعار نفط متدنية ومخيفة.. بل إن هذه المرحلة اللا نفطية جاءت للمملكة برؤى استراتيجية جديدة (رؤية 2030) توطن لمرحلة مستقبلية بقواعد ومبادئ اقتصادية واضحة.. ربما يمكن القول إن اللا نفط نجح في لفت الانتباه لموارد خفية وقوية لم تكن في الحسبان أو كانت مهملة دومًا.. فأهلاً وسهلاً باللا نفط.. ومرحبًا بلفت الانتباه إلى مرحلة تنويع جديدة، ليست تنويع اقتصادي إلى الصناعة، ولكن تنويع للاستثمارات المالية للمملكة ما بين الدول وما بين الأوراق المالية التقليدية.. وتنويع ما بين ودائع واستثمارات وتنويع ما بين ذهب ونقد أجنبي.. لأول مرة الجميع بات يهتم باحتياطيات المملكة.
لقد آن الأوان أن يتم تقييم مواطن النجاح والفشل في الاستثمارات الخارجية، وآن الأوان أن يتم الابتعاد عن الدول مواطن المخاطر المتدنية وكذلك الأرباح المنخفضة إلى دول جديدة تمثل العهد الجديد للاستثمارات الأجنبية الدولية.