إبراهيم عبدالله العمار
أحد أيام عام 1746م، تجمَّع الناس أمام هذا المشهد الباريسي الغريب: 200 راهب، كل منهم يمسك طرف سلك معدني يصِله براهب آخر، كل سلسلة طولها 7 أمتار ونصف بين كل رجل ورجل، وهكذا ترى سلسلة بشرية طويلة طولها كيلومتر ونصف على أطراف المدينة!
التفّت السلسلة حتى صنعت دائرة، ووقف الرجلان اللذان يشكلان طرفي السلسلة البشرية عند جون أنطوان نوليت. نوليت هو صاحب الفكرة، وأمامه الآن جهاز صغير، فطلب من الرجل الأول أن يصل سلكه بأسفل الجهاز وطلب من الثاني أن يصل سلكه بعمود أعلى الجهاز، والهدف: تفريغ الشحنة الكهربائية الساكنة. نعم، هؤلاء الرهبان لم يدركوا أنهم على وشك أن يكونوا جزءاً من دائرة كهربائية بشرية! وبمجرد أن أوصل الرجل الثاني سلكه بالعمود سرى تيار كهربائي عبر السلسلة البشرية وإلى ذاك الجهاز، ورأى الناس الرجال بعضهم يقفز بسبب الصعقة والبعض يصرخ متألماً، وكلهم ألقوا الأسلاك، أما نوليت فلو رأيتَه لرأيت ردة فعل مختلفة: ابتسامة.. ابتسامة ظافرة.
أراد هذا العالم ليس فقط أن يُبهر الحضور بل أن يُظهر حقيقتين: (1) أن الكهرباء تقطع مسافات طويلة. (2) أنها تقطعها بسرعة فائقة، في نفس اللحظة تقريباً.
وكما سَرَت الكهرباء عبر تلك السلسلة البشرية، فهي اليوم تسري في شبكات العالم كله لتصل البشر ببعضهم عن طريق وسائل الاتصال الحديثة، ونَدين بالفضل حتى في اتصالاتنا اللاسلكية لذلك السلك الطويل وصعقته الأليمة! طبعاً لحسن حظهم أن التجربة كانت على الكهرباء الساكنة، وهي نفس الكهرباء التي تمر بأجسادنا كل يوم من الملابس أو الاحتكاك مع السجاد والأثاث، ولو كان تياراً كهربائياً قوياً لكانت الصعقة أسوأ وأقوى ألماً بلا شك. يبدو أن ردة فعل هؤلاء الرهبان جعلت نوليت يغيّر قليلاً في المرة التالية، فقد أعاد نوليت نفس التجربة لكن هذه المرة على رجال أقوياء، وهم 180 جندياً من جنود الملك لويس الخامس عشر، ونجحت التجربة مرة أخرى، هذه المرة مع جنود متجلّدين يصبرون على ألم الصعقة.
لكن ظهرت مشكلة: تنازع نوليت مع المخترع الأمريكي الشهير بنيامين فرانكلين عن طبيعة الكهرباء. ظهر هذا الخلاف بعد أن تُرجِم كتاب فرانكلين إلى اللغة الفرنسية، ولما قرأه نوليت استنكر نظرية فرانكلين ورأى أنها تعارض الصواب وأصر على صحة نظريته هو، وفي النهاية انتصرت أفكار الأمريكي فرانكلن، وذهبت أفكار الفرنسي نوليت طي النسيان، لكن بقيت تجربة السلسلة مذكّرةً بنوليت وإبداعاته الطريفة.