بكين - واس:
أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن السياحة في المملكة تمر بنقلة نوعية مهمة بعد اعتمادها على مشروع رؤية المملكة 2030، التي أقرها خادم الحرمين الشريفين كقطاعين أساسيين لمستقبل المملكة انطلاقا من أهميتها الاقتصادية والتنموية، ولكون الهيئة خلال السنوات الخمس عشرة الماضية أكملت البنية النظامية للقطاع وجهزته للانطلاق وفق أسس متينة. ونوه في كلمته خلال افتتاح الدورة السابعة لوزراء السياحة في مجموعة العشرين التي انطلقت أعمالها أمس الأول الجمعة في العاصمة الصينية بكين إلى تبني رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني للسياحة والتراث تأكيدا على أهميتها وقناعة الدولة بقدرتها على تحفيز الاقتصاد الوطني خصوصا وأن صناعة السياحة جاهزة للانطلاق.
وأكد سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن المملكة فطنت إلى أهمية السياحة منذ ما يزيد على 15 عاماً وأسست لتفعيل هذا القطاع الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني التي أنجزت إستراتيجية وطنية لإنشاء صناعة مستدامة للسياحة أقرتها الدولة عام 2005 وأتمت البناء النظامي والمؤسسي لقيام هذه الصناعة، وهو ما جعل رؤية المملكة 2030 وبرنامج التحول الوطني تعولان كثيراً على هذه الصناعة التي استثمرت الدولة في تأسيسها وبقي أن تبنى على الأسس الراسخة التي أتمتها الهيئة بالتضامن الكامل مع المواطنين في جميع المناطق بوصفهم الشريك الأهم، مؤكداً سموه أن التحول نحو السياحة والتراث في المملكة حدث في عقول وقلوب المواطنين حتى أصبحت المطالبة بسرعة تمكين السياحة مطلباً ملحاً لهم.
وأشار إلى أن الهيئة منذ إنشائها أولت جانبا كبيرا من اهتمامها للتواصل مع المجتمع ورفع وعيهم بالسياحة وتفاعلهم معها من خلال التواصل المباشر والالتقاء بالمجتمعات والأفراد على امتداد المملكة، والاستماع لآرائهم وعدم العمل بمعزل عن المجتمعات ولا عن أي طرف ذي علاقة أو تأثر بالأنشطة السياحية أو التراثية، كما وضعت الهيئة برامج توعوية موجهة لفئات متخصصة للاستماع لهم وتهيئتهم للاستفادة القصوى من برامج السياحة والتراث مثل برنامج التربية السياحية المدرسية «ابتسم» وبرنامج تهيئة المجتمعات المحلية «السياحة تثري» اللذين نالا جوائز من الأمم المتحدة لتفردهما، إلى جانب الحملات والأنشطة الإعلامية والتسويقية والتثقيفية، وبرامج ترسيخ المواطنة وتعزيز الهوية الوطنية ومنها برنامج «عيش السعودية» الذي أطلقته الهيئة العام الماضي بالتعاون مع وزارة التعليم وعدد من الجهات الحكومية والشركات الأهلية، ويستهدف تنظيم رحلات لأكثر من مليون طالب وطالبة في مناطق المملكة ومعالمها التاريخية والتراثية. وقال: إن هذا البرنامج وعدد من المشاريع الأخرى هي منظومة من المشاريع والبرامج التي تبنتها الهيئة من خلال برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري الذي يحوي العديد من المسارات والمشاريع الكبيرة والمهمة. واستعرض سموه في كلمته عددا من الإنجازات التي تحققت للسياحة الوطنية، من أبرزها وضع بنية تنظيمية متطورة للقطاع، وإطلاق خدمات جديدة، وتطوير قطاع الإيواء السياحي وتصنيفه وتنظيمه مما أسهم في جذب استثمارات عالمية كبيرة خلال العامين الماضيين.
وفي تصريح صحفي بعد الاجتماع أعرب الأمير سلطان بن سلمان عن شكره للحكومة الصينية على تنظيم هذا المؤتمر، بحضور وزراء السياحة بدول العشرين، وحضور عدد من الدول المراقبة من أهمها جمهورية مصر العربية، مشيرا إلى أن هناك إجماعا كاملا من الدول المشاركة على أن السياحة أصبحت قطاعا اقتصاديا ضروريا وليس اختياريا، لافتا النظر إلى أن هناك دولا صناعية كبرى مثل الصين والولايات المتحدة الأمريكية وألمانيا وغيرها من الدول أعلنت في المؤتمر أن السياحة بالنسبة لها تعد مساراً اقتصادياً رئيساً، وحيث حققت السياحة للصين ريعاً اقتصاديا ومضاعفة فرص العمل السياحية التي بلغت 280 مليون فرصة عمل مباشرة و800 مليون فرصة عمل غير مباشرة للصينيين، كما تجاوزت المداخيل السياحية في الصين 650 مليار دولار وهي ما زالت في بداياتها، فيما أعلنت الصين الآن عن برنامج طموح جدا لتطوير الوجهات السياحية وفتح مدن ومنشآت ومرافق جديدة. وأبان سموه أن إستراتيجية التنمية السياحية الوطنية المستدامة التي أعدتها الهيئة وأقرتها الدولة عام 2005م، حوت كل هذه العناصر وأنجزت الكثير منها، خاصة التنظيم الكامل للصناعة المتكاملة للسياحة والتراث الوطني التي تحقق فوائد تنموية ووطنية كبيرة جداً إلى جانب فوائدها الاقتصادية، وهذه المنصة التنظيمية ومنصة الخدمات أصبحت جاهزة اليوم، وهو ما نجد توجهاً قوياً من الدولة لاستثمار ما تحقق منها وتمكين هذه الصناعة من الانطلاق، كما عد سموه التشكيل الحكومي ومنظومة الهيئات الحكومية الجديدة التي أعلنتها الدولة مؤخراً ممكناً مهماً لتطوير السياحة والتراث ونثق أن التكامل بين هذه الهيئات وهيئة السياحة والتراث التي كانت تتطلع لإنشائها سينعكس إيجاباً على التجربة السياحية المتكاملة والتراث وخصوصاً هيئة الترفيه وهيئة الثقافة، إضافة لهيئة المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وهيئة توليد الوظائف والمتوسطة حيث تعد السياحة أحد أهم القطاعات الموفرة لفرص العمل عالمياً، ونحن في إستراتيجية التنمية السياحية قدمنا منظومة كاملة لتنمية فرص العمل في القطاعات السياحية، والهيئة الجديدة سوف تأخذ هذا الحمل والعبء لمسار أكبر، وأيضا ضم وزارة العمل مع التنمية الاجتماعية والذي سيكون بالنسبة لنا مهما لانطلاق صناعات تنموية مثل قطاع الصناعات والحرف اليدوية الذي احتضنته الهيئة وتديره الآن من خلال برنامج الحرف والصناعات اليدوية (بارع) وأصبح قطاعا متدما على خطته التنفيذية، وقد أعلنا أننا في مسار الحرف اليدوية نريد أن ننتقل من الضمان إلى الأمان، من الضمان الاجتماعي إلى الأمان الوظيفي والاقتصادي وهذا ما نراه يتحقق اليوم.
وأشار إلى أن جهود الهيئة التنظيمية والتطويرية أسهمت في تضاعف القطاعات الرئيسية التي تخدم السياحة الوطنية والتراث في مشاريعها وبرامجها وفرصها الوظيفية، ولو توفر الدعم الاقتصادي وبرامج التمويل للسياحة الوطنية لزادت الأرقام بكثير عما هي عليه اليوم. وأعلن سمو رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن الهيئة ستقوم بتحديث إستراتيجية التنمية السياحية الوطنية من خلال المدخلات الجديدة والهيكلة الحكومية واستيعاب القرارات الجديدة ومنها فتح المجال لفئات نوعية ومختارة للسياحة الوافدة المنظمة والقيمة من أنحاء العالم، وبرنامج رحلات ما بعد العمرة الذي أطلقته الهيئة وشركاؤها في وزارة الداخلية ووزارة الخارجية ووزارة الحج والعمرة، ومشروع المملكة وجهة المسلمين وهو مشروع ضخم جدا يهدف إلى أن تتحول المملكة إلى وجهة المسلمين كما هي قبلتهم في السياحة العلاجية والتجارة والمعارض والمؤتمرات وغيرها. وأضاف: نتطلع لتحقيق ذلك إلى استمرار المملكة كما نراها اليوم في فتح المطارات الجديدة وتطويرها، وتطوير الطرق، وتطوير الخدمات التحتية في الوجهات السياحية التي انتظرنا كثيرا لتنطلق، مؤكدا أن الهيئة انتظرت كثيرا لتنطلق شركة الاستثمار والتنمية السياحية التي أسستها الهيئة بالشراكة مع صندوق الاستثمارات العامة ويمتلك الصندوق كامل أسهمها، وانتظرنا أن تنطلق الشركة وتتولى تطوير الوجهات السياحية التي تأخرت كثيراً.
ولفت سموه أن الاقتصاد السعودي فاته فرص كثيرة في النمو وأن تكون السياحة الوطنية رافداً رئيساً للنفط، وفي السنوات العشر الماضية تمنينا لو كان هناك انطلاق للوجهات السياحية التي قدمتها الهيئة على البحر الأحمر وأماكن أخرى، ولو كان هناك تمويل للمستثمرين، ولمواقع التراث -التي يوليها خادم الحرمين الشريفين حفظه الله اهتماماً خاصاً- من خلال تمويل مشاريع تأهيل المواقع التراثية ومشاريع متاحف التاريخ الإسلامي التي قدمتها الهيئة قبل سنوات، حيث تسعى الهيئة إلى أن تكون المملكة متحفا مفتوحا من خلال منظومة المتاحف ومراكز الزوار في المواقع التاريخية وطرق الهجرة وطرق التجارة وطرق الحج والمواقع التاريخية، مؤكدا سموه أن المملكة ستكون بهذه المشاريع أكبر حاضن للتاريخ الإسلامي على مستوى العالم. وتابع خلال تصريحه « الجميع يتطلع لما يحمله برنامج التحول الوطني من مشاريع وتوجهات تتطلب العمل مع المجتمعات المحلية وإتاحة الفرصة للجميع للإسهام بالأفكار والآراء والتقويم لتكتمل التجربة، وأن يكون هذا المشروع مشروع المواطنين قبل أن يكون مشروع الدولة، وأن يعتمد المشروع على الكوادر الوطنية التي بنت البلد وحافظت عليه وبنت المنجزات وهي الكوادر التي يجب أن تسلم لها مهمة التحول نحو المستقبل.
وكان نائب رئيس الوزراء الصيني قد افتتح أعمال الدورة بكلمة رحب فيها بوزراء ومسؤولي السياحة في دول العشرين»، مؤكدا أهمية السياحة كمحرك رئيس للاقتصاد وموفرا لفرص العمل، لافتا الانتباه إلى أن التزام بلاده بالسياحة كمصدر مهم للدخل وإحدى أكثر الوسائل الناجعة في معالجة الفقر وتنمية القرى والمناطق البعيدة، والتحفيز على المحافظة على البيئة، إضافة لدورها في نشر ثقافة التواصل والتفاهم بين الشعوب وبين أبناء البلد الواحد، معلنا عن عزم الصين توقيع 50 اتفاقية تعاون في المجالات السياحية مع عدة دول خلال المدة القليلة القادمة، وإتاحة 50 ألف فرصة تدريبية في مجالات السياحة لمواطني دول عدة داخل الصين. وأوضح أن بلاده أطلقت حزمة من التسهيلات لتحفيز المستثمرين من حول العالم للاستثمار في المشاريع السياحية داخل الصين، وتشجيع المستثمرين الصينيين للدخول في الاستثمارات السياحية حول العالم.
من جهته ألقى معالي الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية الدكتور طالب الرفاعي كلمة أكد فيها أن هذا الاجتماع يأتي في وقت أكد فيه قادة المجموعة العشرين أهمية زيادة النمو وضمان تقديم المزيد من الوظائف الأكثر جودة، محددين هدفا برفع الناتج المحلي الكلي لدول المجموعة العشرين بأكثر من 2% بحلول عام 2018، بالإضافة إلى أكثر من 2 تريليون دولار أمريكي على الاقتصاد العالمي وخلق الملايين من الفرص الوظيفية. وقال: إن السياحة أحد خمسة قطاعات ترتكز عليها التحضيرات لاجتماعات قادة دول العشرين إلى جانب اجتماعات وزراء المالية ووزراء التجارة ووزراء الطاقة ووزراء العمل ووزراء الصناعة في الدول الأعضاء.
وشكر الأمين العام لمنظمة السياحة العالمية الصين على الاستضافة، وإسهاماتها في دعم السياحة خصوصاً وأن السياح الصينيين اليوم هم السوق الأكبر عالمياً والمصدر الأهم بـ120 مليون سائح سنوياً يخرجون من الصين إلى العالم، كما أنها رابع دولة استقطاباً للسياح حسب الإحصاءات العالمية، مشيرا إلى أنها أعلنت مؤخراً عن تبنيها للسياحة كمصدر مهم للاقتصاد ورافد لدخلها الوطني، ووسيلة لمعالجة الفقر وخلق الوظائف، وهو ما أكده رئيس الوزراء في افتتاح مؤتمر السياحة للتنمية المتزامن مع اجتماعات وزراء السياحة في دول العشرين الذي أعطى قاعدة إدارية بقوله إنهم في الحكومة وصلوا لقناعة «التعاطي بجدية مع صناعة السياحة إذا كانوا يرغبون في أن تسهم هذه الصناعة بجدية في التطوير والتنمية الاقتصادية والثقافية التي هي الصناعة الأقدر عليها». وأضاف أن أرقام السياحة تنمو عالمياً بشكل يؤكد إقبال البشرية عليها وأنها باتت حاجة أساس لهم، واهتمام الدول بها ووضوح الاستفادة منها اقتصادياً وتنموياً وثقافياً، فقد قفزت أرقام السياح حول العالم من 25 مليونا عام 1950 إلى1.2 (مليار ومائتي مليون سائح) عام 2015 وأشار إلى أن السياحة شهدت نموا وتنوعا ثابتا، حيث إنها أصبح أحد أكبر القطاعات وأكثرها دينامية ومرونة بين قطاعات اقتصاديات العالم. حيث يشكل القطاع 10% من الناتج المحلي الإجمالي في العالم، ما يعادل 7.6 تريليون دولار أمريكي، وزاد عدد السياح الدوليين من 25 مليون سائح عام 1950 إلى 1.1 مليار عام 2014، ثم 1.2 مليار عام 2015م، ويتوقع أن يصل العدد إلى 1.8 مليار سائح بحلول عام 2030. ويعادل سهم مصروفات السياحة المحلية حوالي 50% من دخل السياحة في اقتصاديات المجموعة العشرين، أي حوالي 80%في كثير من الأحوال. وناقشت اجتماعات الدورة إسهام السياحة في تحقيق الأهداف الإنمائية المستدامة، وتعزيز النمو الاقتصادي المستدام والشامل والتوظيف المكتمل والمنتج، ووضع وتنفيذ سياسات لتشجيع السياحة المستدامة التي تخلق فرص العمل وتعزز الثقافة المحلية ومنتجاتها بحلول عام 2030، وتفعيل إقرار قادة مجموعة العشرين في المكسيك عام 2012 بدور السياحة باعتبارها «وسيلة لخلق فرص العمل والنمو الاقتصادي والتنمية». كما ناقشت أعمال الدورة زيادة الفوائد الاقتصادية للدول الجزرية الصغيرة والدول الأقل نموا من الاستخدام المستدام للموارد البحرية بالإضافة إلى أهم التحديات التيواجه صانعي السياسات في دول العالم وفي مقدمتها نمو الاقتصادات المنخفضة، ومعدلات البطالة المرتفعة، فضلاً عن ارتفاع معدلات البطالة، حيث تتحدث منظمة العمل الدولية (ILO) عن حاجة ملحة لـ 45-50 مليون فرصة عمل جديدة سنويا على مدى السنوات العشر المقبلة لمجرد احتواء نمو الفئة العاملة حول العالم والحد من البطالة الناجمة عن الأزمة الاقتصادية. وشارك في اجتماعات هذه الدورة بالإضافة إلى وزراء السياحة في دول مجموعة العشرين عدد من المنظمات الدولية المتخصصة من بينها منظمة السياحة العالمية التابعة للأمم المتحدة. ومنظمة العمل الدولية، ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، ومجلس السفر والسياحة الدولي.