«الجزيرة» - سلطان المهوس:
في الأول من يونيو 2013 كتبتُ مقالاً هنا بعنوان «الجابر.. فيرجسون السعودية»، بعد أن أعلنت الإدارة الهلالية تعاقدها مع المدرب سامي الجابر، ووقتها وجَّهت نصائح لسامي، أقتبس منها «كلنا مع الجابر.. لكن عليه أن ينسى نجوميته لاعبًا.. سيصبح مثل مارادونا.. ضجيج واحتجاجات ولغة صاخبة خارج الملعب أكثر من داخله..!
* على الجابر الهدوء والتركيز والقيادة بلغة الكبار.. إنها ليست نصائحي.. هي نصائح من الشهير فيرجسون..!!
* يقول فيرجسون: المدرب الهزاز دون داع (يقصد كثير الحركة) يوتر لاعبيه وجمهور ناديه.. عليه أن يفعل ذلك بالتدريب فقط..!!
* أتمنى أن يظل الجابر مدة زمنية كفيرجسون (26 عامًا).. إن سار على نهجه.. سيبقى.. إن اختار أحلام الماضي.. لن يجلس سوى عشر جولات فقط..!!
* صديقي سامي الجابر.. أعترف باحترامي الكبير لك.. صادق الدعوات لمسيرتك الجديدة.. أرجوك.. لا تخذلني.. فقط.. لا تعد بشيء!!».
بعد منتصف الموسم وجد الجابر نفسه الحاكم بأمره بنادي الهلال، ونسي دوره كمدرب؛ ليخرج متحدثًا عن شؤون حساسة شرفية وإدارية، لا علاقة له بها متسببًا لنفسه بالإقالة التي عجَّلت برحيله دون أي لقب رغم التعاطف الجماهيري الكبير معه، لكنها الفرص لا تأتي مرتين..!!
اتجه لقطر؛ ليعمل هناك بالنادي العربي.. وللأمانة لا أحد يعرف محيط عمله بشكل واضح؛ فالجابر أصبح مشرفًا فنيًّا على مدرب أكبر منه خبرة وحنكة وتجربة، هو الأورغواني خوسيه دانييل كارينيو، وهي مفارقة غريبة تؤكد للمتابع الناقد أن العربي أراد استغلال شهرة الجابر بطريقة خاطئة بدليل أن علاقة الطرفين انتهت سريعًا دون أن يكون لها أي أثر؛ فالمجاملات لا تدوم طويلاً..!!
اتجه النجم السعودي التاريخي سامي الجابر لمحطته التدريبية الثالثة عبر الوحدة الإماراتي، ولم تكن رحلته على المستوى النتائجي موفقة؛ فقضى ثلاثة أشهر، خرج منها بخمس خسائر وأربعة انتصارات. وللأمانة، لم يكن الوقت كافيًا للحكم على تلك التجربة التي انتهت بعدم توافق الطرفين للتجديد؛ ليرحل الجابر مجددًا لاستديوهات بي إن سبورت محللاً تلفزيونيًّا للمباريات..!!
اجتهد اللامع سامي الجابر، واستطاع أن يختصر الزمن؛ ليخطف شهادات التدريب المعتمدة (a,b,c)، ولم يتوقف عن النهم العلمي؛ فخطط للحصول على أعلى شهادة تدريبية (bro)؛ لينضم لقائمة صغيرة على مستوى السعودية حاصلين على تلك الشهادة.
قبل أيام أعلن نادي الشباب السعودي تعاقده مع سامي الجابر لمدة ثلاث سنوات، وهو أغلى منعطف يمكن أن يحلم به مدرب مثل سامي الجابر؛ ما يجعله أمام تحديات كبيرة ومرتقبة، توازي اسمه وشهرته اللامعة، وأمام حقيقة المواجهة بين مسيرته الصغيرة مدربًا وما صاحبها من إيجابيات وسلبيات، وتلك الفرصة التي لن تتكرر، بل ستكون المعيار الحقيقي لمستقبله القادم على مستوى التدريب..!
نجاح الجابر ابن الوطن وأسطورة كأس العالم على مستوى آسيا مطلوب ومرغوب، لكن عليه أن يستمع بدقة لهمسات النقاد المتخصصين، وللصحافة الصادقة معه، ويترك ثناءات الجماهير والمحبين؛ فهي لا تفرق بين الجابر اللاعب والجابر المدرب، ولو كان الحب جماعيًّا لكان مارادونا أعظم مدرب في التاريخ، لكنها مهنة التدريب، لا تعترف سوى بأساسيات ومرتكزات، يجب على الجابر أن يتعايش معها، وأن يطبقها حرفيًّا إن أراد النجاح، وهي:
أولاً: أغلق فمك كثيرًا، ولا تتحدث سوى بلغة مختصرة، لا تدخل معها بأي تفاصيل؛ لتبعد نفسك وفريقك عن أي تطورات إعلامية يتم البحث عنها، وتسبب تشتيتك وفريقك.
ثانيًا: لا تَعِد بأي شيء، واترك الأمور حتى تتضح لك، ولا تحاول جمع كل الأماني بسلة واحدة.. كن واضحًا برسم هدفك، ولا تَحِد عنه.
ثالثًا: لا تتدخل بما لا يعنيك بوصفك مدربًا (شؤون إدارية - شرفية - من يدخل مع بوابة النادي ومن لا يدخل.. إلخ)؛ فقد دفعت ثمنها سابقًا، وضيعت على نفسك أغلى فرصة يحلم بها كل المدربين القادمين للخليج وآسيا.
رابعًا: اعرف حقيقة نفسك.. أنت مدرب مبتدئ، ولم تنضج بعد، وسجلك الكروي الكبير لا يشفع لك بأن تسحبه لتصف نفسك بالخبير التدريبي؛ فليس كل نجم مدربًا كبيرًا، ومن هنا يجب أن تتعامل بحذر وهدوء وعدم فوقية، وأن تغتنم تلك الفرصة الذهبية بذكاء؛ فليس من المنطق أن تكون أنت (الصح) والأندية هي (الخطأ)، فقط لأنك نجم آسيوي كبير..!!
خامسًا: أنت شخصية حركية، بمعنى أن أعضاءك تتجاوب مع انفعالاتك ومواقفك؛ فتتحرك معك؛ ولهذا تفسير نفسي «أنت إنسان عاشق للتحدي، وتحمل ثقة عالية بأن الانتصار حليفك دائمًا؛ لذلك تقاتل بكل ما لديك من طاقة». والصحيح أن الأمر ينطبق على سباقات ألعاب القوى أو الألعاب الفردية الأخرى؛ لأن نتائجها مباشرة وليس على منافسات طويلة الأمد أو مباريات كرة القدم؛ فهي تعتمد على الهدوء والقراءة الصحيحة والتفكير العميق.. فلا تبالغ بالحركة؛ لأنها تفقدك اتخاذ القرار الصحيح.
سادسًا: تأكد أن كرة القدم وشؤونها معروفة (ترحيب بأول الوقت، وترحيل بآخره)؛ ولذلك عليك أن تدرك أن بقاءك بنادي الشباب وقتيٌّ، ولن يطول، وكل ما هو مطلوب لنجاحك أن تتعامل بذكاء مع فرصتك، وأن لا تعلن ما لست بقادر على أن تعمله أو تحققه؛ فالمنطق يقول إن فشلت هذه المرة فلن تجد فريقًا يرغب في خدماتك إلا عن طريق «الطوارئ» فقط..!!
وللجماهير ومحبي الأسطورة سامي الجابر أقول: تاريخه بوصفه لاعبًا يبقى تاريخًا ماضيًا، لا يمكن لكائن من كان أن يسلبه إياه، لكن المحك الجديد هو مسار مختلف، وعالم آخر، يستحق دعمكم لا مجاملاتكم؛ حتى يستطيع الجابر أن يسير إلى حيث مقعده المنتظر هناك.. مدربًا للمنتخب السعودي.. فقط إذا تجاوز كل سلبياته، وعرف أنه لا يزال في البداية؛ وعليه واجب الثقة بحدود!!