د. عبدالرحمن بن عثمان المرشد
في عام 1414هـ صدر نظام مجلس الوزراء في نسخته الثانية بعد نظامه الصادر عام 1373هـ، وقتها كنت في أواخر دراستي الجامعية وأبرز مشاهداتي لمشاعر الناس كانت فرحتهم بتحديث نظام المجلس، ومثل أي شاب في ذلك الوقت ارتاد مجالس الكبار وأهل الخبرة منفرداً تارة ومع والدي رحمه الله أخرى.
كان أبرز حديث الناس وقتها عن تقييد مدة المجلس بأربعة أعوام وأخذ البعض يحصي خدمة بعض الوزراء التي كانت تقارب العشرين عاماً وأثرها على التطوير والتنمية، في ذلك العام خرج عددٌ كبير من الوزراء وحلَّ محلهم وزراءَ جدد، ولاحظ الناسُ بعض التطوير والتجديد في غالبية الوزارات لا أقول هذا استنقاصاً من قدر من سلف من الوزراء ولكن العرب قالت قديماً: لكل زمان دولة ورجال، كما أن بعض الموظفين قد يتأثرُ مستقبله الوظيفي ويجمد في مرتبته بسبب ما يسميه العامة حاشية الوزير من موظفين يطبقون على المراتب العليا في الوزارة دهراً من الزمن قد تهوي بالإدارة إلى مستنقع الفساد الإداري.
خلال ثلاثة وعشرين عاماً بعد هذا التعديل أدرك الوزير أن كرسي الحلاق ليس حكراً عليه وكذا معاونيه في الوزارة وتحركت عجلة الترقيات بسرعة ملحوظة وفُتِح باب التوظيف للشباب.
ولعل أبرز تغيير وزاري كان في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز عام 1430هـ الذي وصفه الإعلاميون وقتها بتجديد الدولة. وفي عهد الحزم حظي عددٌ من الشباب في سن الثلاثين بثقة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز بحمل حقائب وزارية مهمة كالعدل والإعلام..
ولا ننسى أنه في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز تم تحسين سلالم الرواتب، وكذا إحداث مميزات للموظفين أرى أن أبرزها إقرار نهاية مكافأة الخدمة لمن يرغب في التقاعد قبل بلوغ السن النظامي، وهنا يظهر من هذا القرار الرغبة في ترغيب الموظفين بالتقاعد المبكر لإحلال كوادر الجيل الجديد مكانها وبث روح الشباب في الإدارة الحكومية.
إلا أنه مازال هناك فئة من الموظفين تطلب تمديد الخدمة وجلها من المراتب المتوسطة لأسباب أبرزها حاجة العمل لهذا الموظف.
لو وضعنا هذه الحالة تحت الدراسة لظهرت لنا علامة تعجب تجاه هذا الموظف الذي سينقص راتبه الشهري بفعل خصم 9 % فلو قلنا أن موظفاً تقاعد على المرتبة العاشرة مثلاً ونهاية راتبها هو (17415) ريالاً سعودياً، وهو على رأس العمل يتقاضى راتباً قدره (16547.65) ريالاً بعد خصم مبلغ التقاعد وإضافة بدل النقل، أي أن الموظف في حالة التمديد سيخسر من راتبه مبلغاً وقدره (867.35) ريالاً.
وإن كان السبب الرسمي الذي تعلل به الإدارة طلب التمديد للموظف المتقاعد هو حاجة العمل له فإنه لا يخفى على كثير من الموظفين بل يكاد يكون مستفيضاً بين العامة أن طلب الموظف التمديد قد يكون لمآرب أخرى أبرزها: ما يتمتع به في وظيفته من بدلات وما يصاحبها من انتدابات، فضلاً عن هيبة بعض الوظائف في المجتمع والتي ربما حدت منها التقنية في التعاملات الإلكترونية وتدهور (سلوم الفزعات).
كما أنه يوجد موظفون بمراتب عليا يعملون بمرتب سائق خاص إذا حسبنا الفرق بين الراتب التقاعدي وبين الاستمرار في العمل عامين أو ثلاثة قبل بلوغ السن النظامية، متكلفين نفقات الانتقال للعمل من ثمن وقود وصيانة للسيارة مع ما يصاحبه من أثر على الصحة وربما بالغنا إن أضفنا زيادة أعداد السيارات في الشوارع والزحام والتلوث.
إنّ تمديد خدمة الموظف خصوصاً في المراتب فوق المتوسطة بحجة حاجة العمل له يعتبر خللاً إدارياً كبيراً، فإن سلمنا بأن العمل بحاجة إليه فهل هو إنسان مخلد، فيوماً ما سيأتيه أجله وربما بعد لحظات من الموافقة على التمديد له، كما يعتبر الاعتماد على موظف بعينه هدراً لطاقات باقي الموظفين، ووأداً لكفاءاتهم؟! ليصدق على واقع تلك الإدارة مقولة: ما في هالبلد إلا هالولد؟!
والتمديد للموظف ولو عاماً واحداً له تأثير سلبي على الاقتصاد، وقد يعجب البعض لهذا الرأي لأنه قد لا يدرك أن بعدد مرتبة هذا الموظف تجمّد موظفون في مراتبهم، وبالتالي خسر السوقُ الفارقَ بين راتب الموظف في مرتبته المجمد عليها وبين المرتبة التي كان سيحصل عليها لو لم يمدد للموظف سالف الذكر، ناهيك عن أثره السلبي على الشاب الذي ينتظر دوره في التعيين، فهذا الشاب سيترتب على توظيفه نفقات زوجة ومسكن وإنجاب جيل تنمو معه الحركة الاقتصادية، وبعدد الموظفين الممدد لهم ستظهر فجوة بين الأجيال.
وآخر المقال:
ابتهج الشعب السعودي الأبي بإقرار مجلس الوزراء الموقر برئاسة مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز أيده الله لـ (رؤية المملكة عام 2030) وهو بحق مشروع اقتصادي جبّار ويعد مفخرة وطنية لمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان ولي ولي العهد النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع. وما سطرت هذا المقال إلا تفاعلاً مع هذه الرؤية المباركة التي أظهرت اهتماماً كبيراً بالوطن، وحرصاً على استمرار رفاهية المواطن، عامدة إلى الاستفادة من الإمكانيات الاقتصادية المهملة والطاقات البشرية المهدرة متأسّين بسنابل يوسف عليه السلام {ثُمَّ يَأْتِي مِن بَعْدِ ذَلِكَ عَامٌ فِيهِ يُغَاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ} (49) سورة يوسف.