محمد آل الشيخ
تلك اليافطة التي تقول: (للعوائل فقط) المنتشرة في كثير من مجمعات التسوق المغلقة، كذلك في أغلب المنتزهات وأماكن الفعاليات الاجتماعية والترفيهية، مظهر متخلف يجب أن يزول، ففي تقديري أنها ظاهرة لا يمكن أن تفهم مآلاتها إلا بقراءة تبعاتها وما تؤدي إليه بعمق وترو. الدافع لمنع الشباب عن هذه الفعاليات، بسبب أنها في رأي بعضهم اجتثاث للتحرش ومعاكسة الفتيات من قبل بعض الشباب المراهقين. صحيح أن هذا المنع يحاصر الشاب المتهور، ويحد بالتالي من ممارسات التحرش بالنساء، كما أن هذا المنع قد يؤدي إلى إقصاء العزاب من الشباب عن هذه الأماكن، لكنه من زاوية أخرى تضييق لممارسة الحياة الطبيعية وعزل للشباب، ما يدفعهم مضطرين إلى تجمعات خاصة، منعزلة، وغير مراقبة من المجتمع أخلاقيا، ولا مأمونة العواقب، الأمر الذي قد يؤدي بهم إلى مُتع غير مشروعة، فتكون (الاستراحات) المغلقة -مثلاً- مكانا مثاليا لممارسة كل أنواع الرذائل
والمحرمات، من إرهاب ومخدرات وممنوعات أخلاقية أخرى.
فانتشار حبوب (الكبتاغون) المدمرة للشباب -مثلاً- من أهم أسبابها كما يؤكد المختصون في بلادنا، شعور الشاب المحبط المهمش بالفراغ والعزلة والطفش، إضافة إلى محدودية أماكن الترفيه، فإذا تم منع الأسواق والتجول فيها، وقصرها على (العوائل فقط) فسيجد الشباب العزاب ألا مكان لهم يرتادونه سوى الاستراحات، أو التفحيط أو مقاهي الشيشة التي يجري في كواليسها كل أنواع التدهور الأخلاقي بكل ما تحمله الكلمة من معنى.. ولم أجد لتخصيص أماكن التسوق والترفيه للعوائل فقط مثيلا في كل أرجاء المعمورة؛ فلو افترضنا جدلا أن العزل بين الشباب والعوائل، سيكون له بعض الإيجابيات دون سلبيات لسبقونا إليه، واعتمدوه. لكنهم يدركون إدراكا تاما أن (الكبت والإقصاء يولد الانفجار)، خاصة لدى الشباب، بينما أن شبابنا المحبط هم من أكثر الشباب إقداما على الانتحار والعمليات الإرهابية المتأسلمة فضلا عن المخدرات والتفحيط المميت.
ثم إن تخصيص الأسواق أو بعضها للعوائل فقط سيكون له انعكاسات سلبية على تجارة (التجزئة)، وبالتالي يؤدي -ولو نسبياً- إلى الركود والكساد الاقتصادي الداخلي، ويجعل (التسوق) وارتياد الأسواق محدودا، ومقتصرا على فئة عمرية من الكبار الذكور مع عوائلهم فقط.
الشباب لدينا، وتهميشهم، وإقصاؤهم، وعدم الاكتراث بمشاعرهم يجب أن نتنبه إلى أنه من أهم أسباب كل مصائبنا الأخلاقية الشاذة والطارئة منها بالذات، بدءا بالإرهاب المتأسلم، ومرورا بالمخدرات، وانتهاء بالتفحيط، وطالما أننا نصر على سياسة (باب يجيك منه ريح سده واستريح) والتضييق على الشباب ما أمكن، فلن نحل مشكلة شبابنا المنفلت، بقدر ما نصب على نيرانها المشتعلة زيتا، فيزداد اشتعالها وانتشارها أكثر. اسمحوا للشباب بالحياة الطبيعية، واردعوا من تمرد منهم على أخلاق المجتمع وعاداته وتقاليده بالقانون الحازم غير القابل للوساطات كما تفعل كل دول العالم، وستكون النتيجة الحتمية لمثل هذه الإجراءات أن هذه التجاوزات ستنحدر إلى أقصى المعدلات، أما الاجتثاث الكامل، فمطلب (رغبوي) لا يطلبه إلا الحالمون.
إلى اللقاء.