ليس لديها الكثير لتفعله تقف جانبًا بانتظار مرور الحياة، تمامًا مثل من يقف على الرصيف بانتظار عبور قطيع من الخراف الكسولة، بينما يتوقف أحدها ليلقي عليها نظرة بلهاء طويلة، ربما كان يحاول القول: إنه يعرفها، رآها في مكان ما سابقًا، أو ربما كانت تشبه شاة مرت قربه صدفة! لم تجرب مرة استبدال الكعب العالي بالحذاء الرياضي، فلربما أفلح الأول في منحها نظرة استشرافية لما يلوح في الأفق، أو يفكر أن يفعل ذلك، ولربما جعل منها «زرقاء» دون كحل، لا حاجة لها به ما دام السواد يتوفر حولها بكثرة! ستظل حتى مع ارتدائها للكعب تقفز الحواجز ببراعة «عنزة» وتجري بمهارة «لبنى السريعة» دون أن يعني ذلك حصولها على شيء سوى بعض المكاتبات وتفاحتين خضراوين وعود قرفة. تجلس الآن على قارعة الحياة غير عابئة بها، تنظر إلى غنيمتها برضا ضفدع! تكافح كل صباح شعور التصلب في كفيها من أثر حلم الليلة الماضية-الذي لا تذكر منه سوى بياضه- وتغمس أصابعها في طبق من زيت الزيتون، وحين تفتح نافذتها لتسمح لآخر خيط أبيض من الحلم بالتسلل خارجًا، تحمص الشمس أصابعها لتصبح مثل عيدان الذرة المملحة. وجبة كاملة تقضمها على مهل، حتى إذا حان المغيب عرفت أنها التهمت أصابعها ولم يبق لها سوى حسرة!
مثل كبد بروميثيوس، كان كفها ينبت كل ليلة، لتلتهمه كل صباح دون أدنى تغيير لعاداتها، هذا يعني أن عليها تأجيل كل يمكن أن تحتاج فيها يدها حتى المساء، فتقلب تربة أصيص الصبارة الوحيدة على الشرفة، وتحرك حساء الليلة الماضية لتسخينه فيما تغسل أكواب القهوة المكدسة في الحوض منذ يومين بضجر، وتلون المربعات الصغيرة للأيام الفائتة في التقويم الغريب الذي تبقيه على الطاولة الجانبية، وتفكر جديًا في سهولة حياة الأفعى دون الحاجة إلى كفين أو قدمين. تستعيد ملمس الأشياء قبل موعد الوجبة الصباحية، وتتحسس مثل «ميداس» أعمى خشب الباب وقماش المقعد وثوب الدمية المعلقة من رقبتها على المرآة، وتترك ملامحها هي إلى آخر رحلة الأصابع اليومية، لتحبسها في قالب شمعي تعلقه على الجدار استعدادًا للنوم. تعرف ماذا يعني صوت دقات الساعة، إنه أحد أمرين، خوف يسيطر عليها أو أرق مصحوب بضجر، والرفيق في الحالتين «تكات» الساعة! الوحدة التي يملؤها صوت الثواني التي تمر سريعة، مستعجلة غير مكترثة بها، حين تستلقي على جانبها الأيمن وتسمع نبضات قلبها التي تتناغم مع الساعة عبر غشاء أذنك، دم دم دم ثم تك تك تك....
- بثينة الإبراهيم