بعد أن مرّ على الأندية الأدبية مرحلة جمود طال أمدها عصفت بها رياح التحولات العنيفة وتقاذفتها أمواج عاتية من جهات عدة، يتمترس خلف كل جهة طرف ينظر إليها من زاويته دون اعتبار لدورها الثقافي المفترض. فالمجتمع باختلاف علاقاته بهذه الأندية يمثل جل هذه الأطراف كما أن الوزارة المشرفة عليها أحدها. إلا أن هذه الأطراف عجزت عن أن تدرك دور الأندية الثقافي على حقيقته أو تستشعر أهميتها. إضافة إلى ضعف مفهوم العمل المؤسسي برمته والانفصال عن أدواته وغرابة أدبياته. فقلما تجد من يدرك معنى جمعية عمومية أو مجلس إدارة فضلاً عن أن يفرق بين دور كل منهما.
النادي وفق المعنى المعجمي للكلمة هو جمع من الناس ابتداء وبالتالي فهو يرتكز بصفته الاعتبارية - أو يجب أن يرتكز - على جمعية عمومية. فليس النادي مبنى أو منصة أو قاعات أو مكتبة وليس موقعًا إلكترونيًا أو مناشط ثقافية محنّطة، إنما هو مجموعة من الأعضاء يشتركون بصفة أو صفات محددة ويحملون همًا مشتركًا واحدًا ويرسمون رؤيتهم وأهدافهم التي تظهر من خلال ناديهم فحيث كانوا يكون ناديهم، هؤلاء الأعضاء هم أعضاء الجمعية العمومية بأصنافهم الثلاثة. ولا يمكن لذلك أن يتحقق إلا بتوفر الحد الأدنى من التجانس وتوحد الرسالة والرؤية والهدف العام وفق معيار ثقافي مهما اختلفت مشاربهم واتجاهاتهم وأفكارهم وبذلك تكون معالم الطريق الثقافي واضحة لهم تمام الوضوح لا خلاف عليها بينهم. ثم إنهم وحدهم يملكون حق التشريع ورسم الخطوط العريضة للعمل ومتابعته وتقويمه، وفي الوقت ذاته يختلفون في آلية تحقيقها وكيفية تنفيذها نتيجة لما بينهم من اختلافات طبيعية ومألوفة في الوسط الثقافي وهنا يأتي دور مجلس الإدارة الذي يختارونه بالانتخاب لتنفيذ هذه الرؤى والتطلعات وتحقيق هذه الأهداف وفق ما يراه مناسبًا.
وكل ما تعرضت له الأندية من هزات عنيفة بفعل هذه التحولات ناتج عن قصور في فهم ذلك المحدد الرئيس.
فإما أن يتم تعيين مجلس إدارة دون وجود جمعية عمومية! أو يتم تشكيل جمعية عمومية بشروط غير ثقافية كما هو الحال في الدورة التي توشك على الانتهاء، مما شرع الأبواب لحشد أعضاء لا يحملون همًا ثقافيًا أو اهتمامًا أدبيًا وتسبب في عزوف الأدباء وابتعادهم عن الأندية فتشكلت مجالس إدارات غير قادرة على تحقيق الأهداف وتفعيل الحراك الثقافي والتواصل مع الأدباء
فغرقت بالقشور وأغرقت الوزارة معها بالبحث عن حلول لرأب هذا الصدع فشكلت اللجان تلو اللجان لإعادة النظر في اللائحة ومعالجتها خاصة ما يتعلق بعضوية الجمعية العمومية.
وقد قدر الله لكاتب هذه السطور أن يكون عضوًا في آخر هذه اللجان التي استمرت لأكثر من سنتين جلها كان لحسم عضوية الجمعية العمومية لأهميتها وحساسيتها وصعوبة حسمها فقد أخذت الكثير من الجهد والدراسة والتمحيص واستغرقت وقتًا طويلاً من قبل الأعضاء الذين تبرعوا بحضور الاجتماعات في الرياض دون أي مقابل مادي وما ذلك إلا حرص منهم على أهمية معالجة الخلل الذي أدى إلى تراجع الحراك الثقافي والأدبي في مشهدنا الثقافي واستشعارًا لأهمية الدور الثقافي المفقود للأندية.
ونتج عن ذلك استحداث استمارة عضوية كانت جزءًا من المادة السادسة المتعلقة بالعضويات تحصر إنتاج المتقدم ودوره في المشهد الثقافي تأليفًا أو إبداعًا أو تنظيمًا مع عدم إغفال شرط الشهادة درجة وتخصصًا ودخول المؤلفات كعنصر رئيس في التأثير على درجة المتقدم.
وبعد أن تم رفع اللائحة من قبل اللجنة فوجئنا كغيرنا من المهتمين والمتابعين بأنها اعتمدت على غير الصورة التي توافق عليها الأعضاء خاصة فيما يتتعلق بعضوية الجمعية العمومية. أما البديل فكان إعادة الشروط التي نصت عليها المادة القديمة كما هي ليتكرر الخلل دورة أخرى لا تخفي ملامحها على من تابع ارهاصاتها هذه الأيام
لذلك فلا بد لوزارة الثقافة والإعلام من تدارك الوضع وتغيير مادة العضوية لأنها الركيزة الأساس لتشكل مجالس إدارات الأندية الأدبية كما أوضحت أعلاه
وإن تعذر التراجع عن إقرار اللائحة فيمكن تدارك الأمر باعتماد الاستمارة أو ما يشبهها من معايير ثقافية لتطبق على من يرشح نفسه للمجلس من أعضاء الجمعية العمومية لعل ذلك يسهم في الحد من المؤثرات الدخيلة على البيئة الثقافية وانتخابات المثقفين.
- محمد الحمد