«الجزيرة» - الاقتصاد:
خفضت البنوك في بعض دول الخليج الإقراض للشركات المتوسطة والصغيرة بعد حالات عديدة للتخلف عن السداد مما يهدد أحد المحركات الرئيسية لنمو الاقتصاد.
وقالت شركات ومصرفيون إن ضعف أسعار النفط أدى إلى شح السيولة في البنوك التي أصبح بعضها أكثر انتقائية ويستغرق وقتا طويلا للموافقة على القروض أو يطلب مزيدا من المستندات بينما لجأت بنوك أخرى إلى خفض القروض أو استدعائها.
ففي الإمارات، تقول مصادر مصرفية إن ذلك يرجع بشكل رئيسي إلى رغبة البنوك في حماية رأسمالها لكن بعض البنوك الصغيرة تلقت توجيهات من مصرف الإمارات المركزي بخفض انكشافها على القطاع. ولم يتسن الحصول على تعليق من البنك المركزي، بحسب رويترز.
لكن بعض المصرفيين يقولون إن رجال أعمال هربوا من البلاد دون أن يسددوا ديونهم مما قوض ثقة البنوك وكشف أوجه القصور في القواعد التنظيمية المتعلقة بالإفلاس.
وتشكو بعض الشركات من صعوبات متزايدة في التعامل مع البنوك. ومن بين تلك الشركات أليسا تريدنج التي تقوم بإعادة تصدير الفواكه المجففة والمكسرات والتوابل وتعمل في دبي منذ نحو 25 عاما. وقالت الشركة إن بنك ستاندرد تشارترد ألغى تسهيلا تجاريا لها بقيمة 11 مليون درهم في 2014م وبعد ذلك ألغى البنك العربي المتحد تسهيلا آخر بنحو 3.5 مليون درهم في 2015م.
وقال خالد شاسيبي، مدير أليسا تريدنج: «لدينا علاقات منذ فترة طويلة مع البنوك ولم نتخلف أبدا عن سداد الديون».
والشركة جزء من قطاع التجارة الذي يشكل محركا للتجارة المحلية لكنه بدأ يتعثر العام الماضي مع تراجع أسعار السلع الأولية. وكان تجار الأغذية والزيوت والمنسوجات والحلي الأشد تضررا ويجدون الآن صعوبة بالغة في الحصول على التمويل.
وقال شاسيبي، إن الشركة اضطرت إلى الاقتراض بتكلفة أعلى بعد إلغاء التسهيلات لدفع مستحقات الموردين، متوقعا انخفاض الإيرادات بمقدار النصف هذا العام إلى 100 مليون درهم. وقلصت الشركة بالفعل عدد العاملين ومساحة التخزين.
وقال مصرفيون في أحاديث خاصة إنهم انسحبوا أو في بعض الحالات استدعوا تسهيلات ائتمانية كانوا منحوها لتجار السلع الأولية وقطاعات أخرى تبدو عالية المخاطر. وقال أحدهم إن بنكه استهدف الشركات التي تزيد ديونها على إيراداتها والمدينة لبنوك عديدة.
وتشكل الشركات المتوسطة والصغيرة نحو 3.8 بالمئة من إجمالي قروض البنوك في الإمارات وبعد زيادة خسائر تلك الشركات اتخذت بنوك عديدة في الفترة الأخيرة خطوات لتقليص انكشافها على القطاع.
فعلى سبيل المثل ألغى البنك العربي المتحد وحدته لأنشطة الشركات المتوسطة والصغيرة ليركز على الشركات الكبيرة بعدما تضررت أرباحه لعام 2015م جراء زيادة المخصصات لأكثر من مثليها.
وقال بنك رأس الخيمة الوطني إنه ملتزم تجاه الشركات المتوسطة والصغيرة لكنه يركز على تنمية نشاطه المتعلق بالشركات الكبيرة.
وانسحبت بنوك دولية عديدة من بينها ستاندرد تشارترد واتش.اس.بي.سي من قطاع الشركات المتوسطة والصغيرة الإماراتية في السنوات الأخيرة.
وتتوقع ستاندرد آند بورز أن ترتفع نسبة القروض المتعثرة إلى الجيدة لدى البنوك التي تغطيها في الإمارات لنحو أربعة بالمئة أو أكثر على مدى الأربعة إلى الستة أرباع القادمة لكنها ستظل دون نسبة 5.1 في المئة التي سجلتها في 2012م إثر الأزمة المالية في 2009م.
وحذر محللون من زيادة الديون المتعثرة حيث لم تحسب بعض البنوك بعد القروض الرديئة بالكامل نظرا لاختلاف عدد الأيام المستخدم في حساب التخلف عن السداد.
وفي الوقت الحاضر يشتكي التجار من تأخيرات في نيل الموافقة على القروض مع طلب البنوك لمزيد من المستندات على عكس ما كان يحدث في السابق.
زيادة حالات التخلف
أدى التباطؤ الاقتصادي في دولة الإمارات العربية إلى زيادة حالات التخلف عن سداد الديون بين الشركات الصغيرة والمتوسطة وهو ما يضغط على أداء البنوك ويظهر الحاجة إلى قانون جديد لإشهار الإفلاس.
وقالت مصادر مصرفية إن دولة الإمارات -التي تسجن مصدري الشيكات المرتدة- شهدت مؤخرا مئات الحالات التي تضمنت أصحاب شركات من المغتربين فروا من البلاد دون أن يسددوا ديونهم.
وواجهت بعض الشركات الصغيرة والمتوسطة أيضا صعوبات وسط اضطراب أسواق السلع الأولية وبصفة خاصة شركات تجارة الأرز والسلع الغذائية الأخرى مع هبوط الأسعار. ورغم ذلك أثبتت أنها من العملاء المربحين في الأعوام الماضية مع ازدهار الاقتصاد المحلي لكن هذا الاتجاه تغير هذا العام حيث دفع تباطؤ الاقتصاد العالمي وضعف أسعار النفط الحكومة والمستهلكين إلى خفض الإنفاق.
وقال مصرفي (مشيرا إلى إطلاق شركة الاتحاد للمعلومات الائتمانية الحكومية في أواخر العام الماضي كعامل مساعد): «تشعر البنوك بالذعر وتقوم بإلغاء قروض أو توقف الإقراض».
وتجمع الاتحاد للمعلومات الائتمانية معلومات عن الموقف الائتماني للأفراد والشركات منذ أكتوبر تشرين الأول 2012م وهو ما يكشف للمرة الأولى حجم مديونية العملاء في النظام المصرفي. ويقول محللون ومصرفيون إن هناك حاجة إلى سن قانون جديد لإشهار الإفلاس والذي يجري إعداده منذ عام 2009م ومن المتوقع أن يتضمن عدم تجريم إصدار الشيكات المرتدة. وقال شيراديب غوش، المحلل لدى بنك سيكو الاستثماري البحريني: «هذا سيساعد في إعادة هيكلة الديون ومن ثم خفض حجم المخصصات التي ستجنبها البنوك إضافة إلى تحسين التقييمات في القطاع».
ويرى مسؤولون أن تهديد الذهاب إلى السجن يساعد على ضمان السداد لكن مصرفيين كثيرين يعارضون هذا الرأي ويقولون إن ذلك يشجع المدينين على الهرب من البلاد بدلا من البقاء فيها ومحاولة تسوية ديونهم.