د.فاطمة المعجب
تضمّن الجامعات المحليّة في رؤاها الإستراتيجية عبارة:» ريادة عالمية» أو «تميّز عالمي» أو كلاهما معا. حيث تضع نصب عينيها معايير الجودة والاعتماد الأكاديمي ونظم التصنيف العالمية ومؤشرات التنافسية الدولية في سباق طويل للوفاء بمتطلبات التدويل.
وفي ظلّ الانشغال بمطاردة حلم العالمية انفصلت الجامعات عن الواقع وابتعدت عن أدوارها الخدمية. الأدوار التي أنشئت من أجلها في المقام الأول وليس الركض خلف مؤشرات الأداء العالمية التي تتجاهل تنوّع النظم الاقتصادية والتباين الثقافي بين الدول.
و«السقوط المدوّي» للجامعات السعودية من التصنيفات الدولية يعدّ فرصة للاستيقاظ من حلم العالمية والوقوف من جديد على أرض الواقع. ففي ظلّ التحديات غير المسبوقة التي تشهدها المملكة العربية السعودية بات من المحتّم على الجامعات أن تعيد النظر في سياساتها وأن تجنّد كل طاقاتها البشرية والمادية لخدمة المجتمع.
ليست خدمة المجتمع الوظيفة الثالثة للجامعة بل هي الوظيفة الوحيدة. ذلك أن نشاطات التدريس والبحث العلمي إنما تصب في النهاية في خدمة المجتمع أو هذا هو المفروض. ففي السعودية بالذات تتضاعف مسئولية الجامعة أمام المجتمع بسبب حجم الإنفاق الهائل عليها من جهة وتقصير الجهات الأخرى في تأدية أدوارها الثقافية والعلمية من جهة أخرى. وبالتالي أصبحت الجامعات مطالبة اليوم أكثر من أي وقت مضى بنفس الأدوار التقليدية التي كانت ومازالت تقوم بها ولكن بأساليب أكثر حداثة وشمولية وعمقا. ومنها على سبيل التذكير:
- الالتزام بالوظيفة النقدية للجامعة. من خلال الانخراط في ممارسات نقدية هادفة داخل الجامعة وخارجها وعبر وسائل الإعلام, ورفع سقف الحرية الأكاديمية المسئولة, والالتزام بأمانة العلم وشرف الكلمة والشجاعة في قول الحق ومحاربة الفساد المالي والإداري في الجامعة قبل المجتمع.
- رفع الكفاءة الخارجية للجامعة: التوقف عن إلقاء مسئولية بطالة الخريجين على تشوه سوق العمل, وتخريج كفاءات مؤهلة تقتحم سوق العمل وتصلح تشوهاته.
- إعادة النظر في أدوار الطلاب بوصفهم «فاعلين» وليس «مستفيدين». والدفع بهم للمشاركة في العمل التطوعي محليا وعالميا, وتشجيع المبادرات الفردية لريادة الأعمال وتحويل مشاريع التخرج إلى منتجات معرفية جاهزة للاستثمار ثقافيا واقتصاديا.
- إثراء المجال العام للجامعة وتنشيط الحياة الطلابية. من ذلك دعوة الجميع لحضور الفعاليات الجامعية , وتحويل الأنشطة الطلابية إلى احتفاليات مجتمعية. وأن يكون لدى كلّ فرد من أفراد المجتمع سبب لدخول الجامعة والاستفادة من مرفقاتها ولو لمجرد الجلوس في الساحات الخضراء.
- تغطية القصور الثقافي والتنموي للجهات الحكومية الأخرى. ومن ذلك المساهمة في تلبية الاحتياجات الصحية عبر تعجيل بناء المدن الطبية الجامعية واستكمالها, وتلبية الاحتياجات الثقافية عبر تحويل المسارح والمكتبات الجامعية إلى مرافق عامة يسمح للجميع بالاستفادة منها.
إن التنافس الدولي مهمة شاقة وطويلة. والجامعات لا يمكنها المشاركة في هذه السباقات دون أن تأخذ المجتمع كلّه معها. ولكي يتحقق التراكم المعرفي الذي يسمح بالخوض فيها لا بدّ من العمل الجماعي لتحقيق الصالح العام. إن قيام الجامعات بواجبها الوطني هو الانفتاح الحقيقي. أن تنفتح الجامعة على السياق المحلّي الذي نشأت فيه ومن أجله.
- جامعة شقراء