حائل - حمود اللحيدان
تركوا جلسة «الشبة» واجتماعها خلفهم لا يرتادها إلا كبار السن، ميممين صوب استراحة خاصة.. شباب حائل الذين طالما كانت «الشبة» إحدى مكونات شخصياتهم الكريمة يودعونها لصالح استراحة على الرغم من فساحتها ووناستها، إلا أنها لم توفر لهم دفئ «الشبة» وسعادتها التي عرفها أسلافهم وردد حكاياتها أجدادهم. و»الشبة» لمن لا يعرفها مأخوذة من «شب ناره» أو أوقدها، وهي تقليد كرم وجود عُرف بها الحائليون، حيث يفتحون أبواب منازلهم في الحي الواحد بشكل يومي أو دوري مرحبين بالأقارب والأصدقاء والجيران للسمر سوياً بحضور كرم الضيافة.
وقد كانت «الشبة» حتى عهد قريب تجمعاً عائلياً دافئاً لا يخلو منها أي حي من أحياء حائل، قبل أن تفتح الاستراحات ذراعيها للشباب وتصبح هوساً لدى النسبة العظمى منهم، مؤثرين الجلسات الحديثة في الاستراحات بعيداً عن «الشبة»، ما أفقدها أهم ميزاتها. «الجزيرة» طافت بين الحائليين، باحثة عن «الشبة» في شكلها التقليدي، فوجدت من يتحدث عنها.
يقول أول متحدثينا عن «الشبة» مصعب الموينع بأنه لم تعد هناك «شبة» في البيوت كما كانت عليه في السابق إلا ما ندر، فقد حلت محلها الاستراحات التي أصبحت هي المتنفس للجميع، ومكان الضيافة، والاجتماعات، حيث أصبحت الاستراحات موضة لدى الشباب منذ الصغر والتي يقطعون فيها الليل حتى أوائل الفجر. وقال: «يمكننا ببساطة أن نعد هذا الأمر من المظاهر السلبية، والتي أولها السهر في الاستراحات، وهو نتيجة مباشرة لانحسار جلسات «الشبة» في البيوت والتي كانت تحكمها ضوابط».
أيام الشبات
ويتحدث المواطن جارالله الحريد، متحسراً على أيام الشبات واتجاه الشباب إلى الاستراحات، معتبرا أن حائل من أول المناطق في التوجه للاستراحات، وذلك منذ ما يقارب الـ30 عاماً، وهذا لاشك أثر تأثيراً كبيراً على «الشبة» التقليدية التي نتمنى أن تعود كما كانت.
بينما يرى عبدالسلام العويصي أن الحائلي تميز بـ «الشبة» وأن من ليس له «شبه» يتم تشبيهه بالمريض النفسي، أو هو كذلك، وأن الاستراحة غدت مكاناً جديداً «للشبه».
محطات تجمع
وعلى العكس يرى ضاري الموينع، أن الاستراحات بالفعل سحبت البساط من «الشبة» في المنازل، إلا أن الاستراحات باتت محطات يجتمع فيها الأخوان والأحباب، وكان لها دور في الترابط الاجتماعي وصلة الرحم، كما أنها مصدر انطلاق لأي نشاط، فيها يتم الإجماع والاتفاق أما على الرحلات أو السفر أو الاجتماع والمبادرة للقيام بأعمال الخير والتواصل، لذلك: «أرى أن الاستراحات غدت قادرة على الاضطلاع بدور الشبة».
وفي سياق مغاير يدافع الشاب سالم القنون بقوة عن الاستراحات، وفي ذلك يقول: «لا بدائل عن الاستراحات فالتجمع ظاهرة صحية عكس الوحدة والتفرد وما ينتج عنها من أمور غير حميدة»، معتبرا أن الاستراحات أيضا مجال خصب ومكان ماتع لتنمية الهوايات. ويؤمن راشد العتيق على ذلك ويزيد: «الشبة في البيوت تحمل الطابع الرسمي، وذلك ما دعا الناس للتوجه للاستراحات للابتعاد عن ضغوطات الحياة والاستمتاع مع الأصدقاء ويتم فيها تبادل الأحاديث ومناقشة أمور الصالح العام». ويقارن عتيق الجروح بين «الشبة» التي كانت في القديم عبارة عن اجتماعات وأحاديث وألعاب تجمع الأصدقاء، ويسمرون حتى وقت متأخر من الليل، وبين الاستراحات التي تجد فيها كلا سارحا مع جواله أو حاسوبه فيصبح اللقاء اجتماعاً مفرغاً من معناه.
تفوق الاستراحات
وختم ماجد مسلم الموينع الحديث بقوله: يعود نجاح التجمعات في الاستراحات لما يمارس فيها وهذا ما نرجوه في كل تجمع ان يكون اجتماع على ما فيه خير للناس للمواطنين والوطن ونحرص على الطاعات والعبادات حتى في الاستراحات ونخصص أجزاء منها لتكون مصليات وأماكن لقراءة القرآن الكريم.. ومن هذا المنبر وعبر «الجزيرة» أدعو الآباء لمتابعة أبنائهم في الاستراحات والتعرف على مجتمعهم ونشاطهم لتجنب مخاطر ما قد يواجهونه أو يوجه إليهم من أفكار مسيئة.