إبراهيم بن سعد الماجد
ذكرت مجلة السياسة الدولية في تقرير لها أن علاقة إيران بتنظيم القاعدة، وهي العلاقة التي قد تبدو مستبعدة نتيجة للاختلافات الأيديولوجية والمذهبية ما بين الطرفين، غير أن اعتبارات المصالح المشتركة تجعل من التعاون فيما بينهما أمراً محتملاً.
وفي هذا الإطار، صدرت عن مؤسسة IHS لاستشارات الدفاع والمخاطر والأمن مقالة بعنوان «تحالف مستبعد: علاقة إيران السرية بتنظيم القاعدة» لدانيال بايمان، الأستاذ في برنامج الدراسات الأمنية في جامعة جورج تاون، ومدير الأبحاث في مركز سابان لسياسة الشرق الأوسط بمؤسسة بروكينجز. وتدور المقالة حول علاقة إيران بتنظيم القاعدة من حيث طبيعتها وتطورها ومظاهر التعاون والصدام فيها، وهي العلاقة التي أوضح بايمان أن إيران تضفي عليها نوعا من السرية، على عكس علاقتها بجماعات إرهابية أخرى تقدم لها دعماً مادياً وعسكرياً ولوجيستيا.
وفي بداية الدراسة، قدم الكاتب أمثلة لعدد من الوثائق التي تشير إلى وجود علاقة ما بين إيران وتنظيم القاعدة، من أبرزها تقرير لجنة 11 سبتمبر الذي نشر في 2004، وهو التقرير الرسمي الذي تم إعداده عقب أحداث 11 سبتمبر بطلب من الرئيس الأمريكي والكونجرس.ولقد أكد التقرير أن إيران كانت تعمل مع تنظيم القاعدة في بداية التسعينيات في الوقت الذي توجد فيه قيادات التنظيم في السودان، وذلك بالإضافة إلى كتابات سيف العدل، أحد قيادات القاعدة، والتي أشار فيها إلى دور إيران في دعم القاعدة، خاصة في السنوات السابقة على 2001م.
ويرى بايمان أن إيران دائما ما كانت قادرة على تجاوز الخلافات الأيديولوجية لتحقيق مصالحها بالتعاون مع تنظيمات سنية، أبرزها حماس وتنظيم القاعدة. هذا الدعم الإيراني لتنظيم القاعدة بدا واضحا في مساعدة إيران في تدريب بعض نشطاء التنظيم، وتسهيل مرور عناصر القاعدة إلى أفغانستان من خلال إيران قبل وبعد أحداث 11 سبتمبر، والسماح لقادة التنظيم بالبقاء تحت إقامة جبرية شكلية في إيران، وهو ما رأته القاعدة ملاذا آمنا لها.ويمكن تلخيص المصالح الإيرانية وراء هذا الدعم للقاعدة في ثلاث نقاط رئيسية، هي على النحو التالي:
أولا: وجود عناصر تنظيم القاعدة في إيران تمنحها قوة تفاوضية، خاصة في علاقتها مع الولايات المتحدة، إذ يصبح بإمكانها أن تسهل من انتقال هذه العناصر إلى العراق أو أفغانستان أو أن تزيد من الخناق عليهم، إذا ما أرادت ذلك تبعا لمسار المفاوضات مع الولايات المتحدة.
ثانيا: تستطيع إيران استغلال علاقتها بالقاعدة في القيام بعمليات ضد بعض الدول، في حال توتر العلاقات فيما بينها، وعلى رأسها السعودية، وذلك من خلال التعاون مع الجماعات المناهضة للنظام السياسي.
ثالثا: توفير الدعم اللوجيستي للقاعدة وتوفير ملاذ آمن لعناصرها، قد مكن إيران من حماية نفسها من أي هجمات محتملة يقوم بها التنظيم داخل الأراضي الإيرانية. وذكر الكاتب دليلا على ذلك، مشيرا إلى الخطاب الذي أرسله الظواهري لأبي مصعب الزرقاوي، والذي كان وقتها قائد القاعدة في العراق، يطالبه فيه بعدم التعرض للشيعة والإيرانيين، نظرا لوجود أكثر من 100 من أعضاء القاعدة تحت قبضة النظام الإيراني.
ويؤكد الكاتب والباحث في السياسة الشرعية الدكتور سعد بن عبد القادر القويعي، أن الخلافات المذهبية، والأهداف السياسية المتباينة، لم تمنع من وجود تنسيق بين إيران، وتنظيم القاعدة. فهما وإن كانا خصمين من الناحية الأيديولوجية، والدينية، إلا أنهما حليفان غير معلنين في الالتقاء عند مصالحهما، كمحاولة السيطرة الكاملة على مفاتيح صناعة التفوق في القوة، والنفوذ في المنطقة، والتحكم بمصير الشعوب.
وإن العودة لدراسة التاريخ من جديد، تقتضي دراسة العلاقات بين الطرفين إلى أكثر من عقد من الزمان، حين دعمت إيران تنظيم القاعدة في باكستان، وسمحت أن يتحركوا في المنطقة عبر أراضيها، فكانت إيران بوابة العبور في الدخول، والخروج من، وإلى أفغانستان، والعراق.
بل ووفرت لها الدعم المادي، والمعنوي، كتهيئة وكلاء سفر، ووسطاء ماليين ؛ بهدف دعم نشاطات القاعدة في جنوب آسيا، واستغلالها في تنفيذ هجمات ضد أهداف مقصودة، في حال توترت العلاقة مع أطراف أخرى في المنطقة.
وكذلك، فإن اعترافات بعض من قادة القاعدة تتوالى؛ لتؤكد بأن التنظيم يدار من إيران، رغم انعدام الثقة حول أيديولوجية الطرفين، والخلافات في الأساليب المنفذة بينهما.
فأبو حفص الموريتاني - شخصية قاعدية معروفة -، بل أحد القادة المنظرين العلميين، ورأس اللجنة الشرعية للتنظيم - لفترة من الزمن -، أصبحت لديه بعض المراجعات عن أفكار، ومنهج القاعدة المتطرف، والذي يخالف الشريعة، عندما سرد شيئا من مذكراته، وبعض المواقف التاريخية لتنظيم القاعدة في مسيرته القتالية، فقد أكد على علاقة التنظيم بإيران، وكيف احتوت إيران عددا من قادة، ورؤوس القاعدة .
وليست هذه المجموعة القاعدية الوحيدة التي دخلت إيران بسلام، فقد دخل «سليمان أبو الغيث» عدة مرات إيران، والشخصية القاعدية الاستخباراتية الغامضة «سيف العدل»، وقد ذكر «العوفي» - السعودي التائب -، كيف كانوا يخططون من إيران ؛ للهجوم على بعض الأماكن في السعودية.
- بالإضافة - إلى «محمد المصري» مهندس بعض عمليات القاعدة.
بل إن تقارير استخباراتية دولية كشفت عن تحالف بين النظام الإيراني، وتنظيم القاعدة ؛ من أجل دعم نظام بشار الأسد، وأظهرت التقارير : أن فيلق القدس الإيراني، أشرف على تدريب مجاميع من تنظيم القاعدة في منطقة عين تمر - التابعة لمحافظة كربلاء جنوب العراق -.
هذه المعلومات الواردة من داخل النظام الإيراني، أشار إليها - الأستاذ - محمد الياسين في مقاله: «التحالف السري.. إيران والقاعدة أنموذجا!»، وهي تدل على أن استخبارات الحرس الثوري الإيراني، أرسلت - خلال الفترة الماضية - مجاميع كبيرة من قوات الباسيج الإيرانية، مع عناصر من استخبارات الحرس إلى سوريا؛ للقتال مع ما يسمى بـ»سرايا الدفاع عن سوريا»، وتشكيلات الفرقة الرابعة التي يقودها ماهر الأسد - شقيق الرئيس السوري -.
أطماع القاعدة من أطماع إيران
ونتيجة للعداء الإيراني السافر للمملكة العربية السعودية وبهدف تخريب استقرارها وأمنها باعتبارها الدولة الإسلامية الأقوى فإن إيران تقوم بتوظيف عناصر من الجماعات الإرهابية التي تنتمي لتنظيم القاعدة للقيام بهذه المهمة ، فقد كشف مدير المركز الأحوازي للإعلام والدراسات الإستراتيجية في إحدى مقابلاته الصحفية -حسن راضي الأحوازي- أن إيران تحارب السعودية لكونها الدولة الإسلامية العربية الأقوى، «وبتضعيفها ستضعف دول الخليج العربي وتكون لقمة سهلة لطهران».
وعن تاريخ علاقة إيران بالتنظيمات الإرهابية، أكد الأحوازي بأن تعاون إيران مع تنظيم القاعدة يعود لفترة احتلال أفغانستان من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية عام 2001، عندما هرب عدد من كوادر وقيادات القاعدة وعائلاتهم إلى إيران، وكان الحرس الثوري الإيراني هو المسؤول والمشرف على ترتيب صفوف تنظيم القاعدة في إيران، وذلك بواسطة سليمان أبو الغيث وأبو حفص الموريتاني وأبو الخير المصري وأبو محمد المصري والعشرات من الصف الثاني في تنظيم القاعدة».
مشيراً إلى أن «الدليل الكبير على دعم إيران لعصابات القاعدة هو أن القاعدة وأخواتها مثل «داعش» وسواها من التنظيمات الإرهابية استهدفت وتستهدف جميع الدول العربية، وفي الوقت ذاته إيران آمنة من شرها وإرهابها اليومي.
وأضاف: «اليوم نرى كيف استطاعت إيران وعصابات الإرهاب كداعش وغيرها من قتل الشعب السوري بهدف إخماد ثورته أو انحراف مسيرتها من خلال الفتنة الطائفية التي خلقتها طهران من خلال الزج بعشرات العصابات الإرهابية الشيعية من جهة ودعم داعش من جهة أخرى، وهدف تلك العصابات على الأرض هو محاربة الجيش السوري الحر، والقوى الثورية الأخرى التي انتفضت بوجه النظام السوري».
وحول سبب استهدافهم للسعودية، قال: «استهداف المملكة العربية السعودية من قبل إيران وعملائها في المنطقة يأتي لأسباب عديدة، منها أولاً: لأن المملكة هي الدولة الإسلامية العربية الأقوى في المنطقة وبتضعيفها ستضعف دول الخليج العربي وتكون لقمة سهلة لطهران، وثانياً: لأن الله -عز وجل- كرم المملكة بوجود الحرمين الشريفين، وبهذا تمثل السعودية قلب الإسلام ووجهة المسلمين، ولهذا تحاول إيران دائماً ضرب الإسلام والمسلمين وتضعيفها من خلال إثارة الفتن الطائفية وتحريك أصحاب النفوس الضعيفة ضد أمن واستقرار الدول العربية.
تلك هي القاعدة, وهؤلاء هم من يديرها ويخطط لها من أجل تنفيذ استراتيجية شرية عدوانية على أمن دول المنطقة ككل, وتلك هي جرائمهم التي نالت من أمن وطننا, فكان الشهداء من رجال الأمن ومن المواطنين والمقيمين, معركة نجحت فيها المملكة العربية السعودية بكل اقتدار, حتى صارت تجربتها في مكافحة الإرهاب أنموذج يُقتدى به في كثير من دول العالم.