حمّاد السالمي
طبقًا لحكم أصدرته المحكمة الجزائية المتخصصة بقضايا الإرهاب وأمن الدولة في الرياض خلال الأسبوع الفارط؛ فقد أدانت المحكمة أحد المتهمين بالإرهاب بـ: (قيامه بالتصوير بطريقة توحي بأنه ميت ويبتسم ويتشهد)..! وكانت المرافعات القضائية لاثنين من المؤيدين والمتعاطفين مع التنظيمات الإرهابية؛ قد أظهرت بشكل جلي؛ زيف دعوى تنظيمي (القاعدة وداعش)؛ حيال كرامات قتلاهم في مناطق الصراع، والذين يصورونهم من خلالها وهم يتشهدون ويتبسمون..! وهذا يأتي في سياق دعاية مضحكة قديمة، توحي للناس وتوهمهم أن القتلى الذين يسقطون في مناطق الصراع، لهم كرامات، وهذه دعاية إعلامية ساذجة وبائسة، وورقة كانت وما زالت تستخدمها التنظيمات الإرهابية المتلبسة بدين الإسلام، في محاولة منها لرفع وتيرة استقطاب المقاتلين إلى صفوفها.
هذه صورة جديدة من صور الكذب المباح في عُرف القتلة والإرهابيين الذين يستحلون دماء الناس، فمن يستحل سفك الدماء يسهل عليه الكذب لا محالة، فهم إذا هلك واحد منهم قالوا:بأنه استشهد ومات وهو يبتسم، لما يرى من الجنة والحور العين..! زعموا.
وفي ذات السياق؛ يخرج علينا بين وقت وآخر بعض من هؤلاء الإرهابيين الفجرة شاهرًا سيفه وهو يحض على القتل والتفجير، أو يذبح رجلًا أو امرأة أو طفلًا؛ مهللًا ومرددًا مقولة مكذوبة على الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه، ما يظن الناس أنه من الأحاديث النبوية المعروفة في كتب أهل السنة: (أنا الضحوك القتال)..! وما هذا إلا قول لعلماء قدماء لا يعتد به، وليس له أصل في كتب أهل الحديث، فرسولنا الكريم الذي بعث رحمة للعالمين؛ لا يمكن أن يصف نفسه بقاتل يضحك..!
هذه الخزعبلات والأكاذيب ليست جديدة علينا، فمنذ أن انطلقت شرارة القتال في أفغانستان قبل أكثر من ثلاثين سنة؛ وما تلا ذلك من الدعوة للجهاد المزعوم هناك -كما أرادت المنظمات الإرهابية والجماعات المتأسلمة بدعم دولي واستخباراتي واسع- والتدليس بغطاء فقهي ممنهج؛ يجد طريقه إلى أدمغة الجهلة من المسلمين؛ وخاصة في منطقتنا العربية، فالهالك عبد الله عزام حشد في كتابه الغريب: (آيات الرحمن في جهاد الأفغان)، ما هو فوق التصور والتخيل، من خزعبلات وخوارق سماها (كرامات)..! كرامات ليس لمن قُتل ودُفن فقط، ولكن حتى لخيل المقاتلين وحميرهم، ولمن يقاتل من الأحياء. فقتلى الأفغان يضحكون ويبتسمون، وتصدر منهم روائح المسك وهم تحت التراب، ولا تتعفن جثثهم سنوات، ولا يأكلها السَّبُع والهوام وهي في العراء..! ومن القتلى من هو مدفون في قبره، فيأتيه أبوه ويخاطبه قائلًا: ( أسألك بالله أن تخبرني إن كنت شهيدًا )..؟ فإذا الميت يخرج يده محييًا أباه مؤكدًا له أنه شهيد، وفي الجنة..!
والسرد الأسطوري في هذا السياق الذي بدأه الهالك عبد الله عزام ومن معه في أفغانستان لا يتوقف، فمن خوارق المجاهدين التي رواها عن أحدهم قوله: (يشتد علينا القصف من الروس؛ حتى تقول من شدة القصف أنه لن يبقى أحد منا. وبعد القصف: نقوم وننفض وننزع الرصاص الذي تعلق في أجسادنا ولم يخترقها، وننزع العمائم وننفضها من الرصاص)..! ليس فحسب، ولكن مجاهدي الأفغان كما يقول عزام كانوا يتصدون لطائرات السوفيت وصواريخه بقبضات من التراب ينثرونها؛ فتعود الطائرات أدراجها أو تسقط، وترتد الصواريخ لتصيب من أطلقها..!
القصص الأسطورية عن كرامات الجهاد والمجاهدين كثيرة، فهناك كُثر ممن يتصدى ويتطوع لتمريرها، بهدف التغرير بالشباب، والزج بهم في أتون المعارك والمحارق التي ينصبها زعماء الإرهاب في (القاعدة وداعش)، ومن سار على نهجهم من محرضين ونشطاء إرهابيين في ميدان التجييش وإشعال المنطقة.
من هؤلاء؛ مدلس آخر سعودي يسمي نفسه: (نجم الدين آزاد)؛ يروي خرافات وأكاذيب لا يصدقها عقل. فمما قال: قصة حدثت أمامه -زعم- أن المجاهدين أطلقوا اثني عشر صاروخًا نحو مطار كابول، فكلها أصابت هدفها إلا واحدًا.. (انحرف ولفّ ورجع على قرى المجاهدين التي خلفنا وانفجر وسطها)..! لماذا هذا الانحراف أيها الصاروخ..؟ أجاب عنه آزاد: (وجدنا أربع دبابات للسوفيت الروس تحترق، وبعضهم قتلى وبعضهم جرحى والباقين استسلم لأهالي القرية من النساء وكبار السن، وكانت هذه الدبابات قد تسللت لقرى المجاهدين دون علمنا)..! لم يعلمها المجاهدون، وعلمها الصاروخ المتمرد الذي التف وانحرف ورجع للخلف من ذاته..!
ومن مضحكات هذا المدلس (آزاد)؛ أنه جاع ذات مساء ولم يجد ما يأكله في معسكر المجاهدين الذين ناموا هم الآخرين جوعى من قلة الطعام، لكنه نام على جوعه، وحلم أنه في المدينة المنورة وأنه يأكل دجاجًا مشويًا ورزًا بخاريًا، فلما صحا الصباح، شعر بالشبع، وفوجئ بالمجاهدين يلتفون حوله ويشمون ثيابه ويقولون أنت أكلت لحم دجاج ورز بخاري من ورائنا، ثم يشكونه للقائد الذي قال له: (والله إنك ماكل دجاج بخاري فأخبرنا من أين حصلت عليه)..؟ فيقول: والله لا أدري، واستحي أن أخبركم فتضحكون علي..!
ما أكثر الكذابين والمدلسين على مر تاريخنا العربي والإسلامي، ومنهم من ادعى الألوهية والنبوة، ومنهم من يبتز الناس في أموالهم وأعراضهم، ثم يأتي من يذبح ويقتل ويخرب ويدمر، مستعينًا بكذبة لا تقاوم، وخارقة مبهرة، وتلبيس على الله ورسوله والخلق أجمعين، فهؤلاء هم الذين يلبسون جرائمهم وإرهابهم بكرامات ابتدعوها من عندهم، فصدقها الجهلة وضعاف النفوس، لأنها صيغت في قالب ديني زورًا وبهتانًا.
إن مما ساعد على انتشار هذه الروايات الأسطورية الكاذبة؛ هو وجود إرث تاريخي فقهي مكبل بالقصص والروايات الخرافية، التي حذق فيها مؤرخون وفقهاء قدماء، كانوا يبحثون عن مكانة علية عند السلاطين أوانذاك، ثم تلقفنا نتاجهم الرديء من بعدهم، دون تصحيح أو تمحيص.
من يصدق مثل هذه الخزعبلات والخوارق في عصر النور؛ فعليه مراجعة متخصصين في الطب النفسي والعقلي. لعل وعسى.