فضل بن سعد البوعينين
تعتبر الحوكمة المؤسسية أحد ركائز الاقتصاد ومن مفاتيح التنمية المحققة لمتطلبات الإدارة الرشيدة الضامنة لتحقيق كفاءة العمل وجودة المخرجات وفق أطر منظمة تحيط بها الشفافية من كل جانب وتخضع لأدوات القياس التي لا يمكن تطوير العمل وتحقيق الأهداف الاستراتيجية دونها.
وبالرغم من حداثة الحوكمة إلا أن إرتباطها جاء بشكل وثيق بقطاع الشركات؛ ثم عمم ليطبق على جميع القطاعات بما فيها القطاعات الحكومية. لذا ترتبط غالبية تعريفات الحوكمة بمفهومها العام المرتبط بقطاع الشركات؛ حيث تعرفها مؤسسة التمويل الدولية على أنها: النظام الذي يتم من خلاله إدارة الشركات والتحكم في أعمالها، في الوقت الذي تعرفها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية على أنها: مجموعة من العلاقات فيما بين القائمين على إدارة الشركة ومجلس الإدارة وحملة الأسهم وغيرهم من المساهمين.
أعتقد أن انتقال الحوكمة من قطاع الشركات إلى القطاعات الأخرى؛ ومن ضمنها القطاع الحكومي جاء لسببين رئيسين؛ الأول حاجة القطاعات الحكومية لنظام مؤسسي محكم يضبط العلاقات والمسؤوليات والمخرجات؛ وفق أطر شفافة قابلة للقياس وخاضعة للرقابة المؤسسية؛ والثاني إمكانية إدارة الدول وقطاعاتها الإقتصادية وفق معايير إدارة الشركات لضمان كفاءة الأداء وتعزيز النزاهة والشفافيه وتحقيق الأهداف التنموية.
إطلاق مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية؛ لنظام حوكمة متكامل يضمن «مأسسة العمل ورفع كفاءته وتسهيل تنسيق الجهود بين الجهات ذات العلاقة بما يمكن المجلس من المتابعة الفاعلة» هو بداية العمل المنظم الذي يمكن من خلاله تحقيق رؤية المملكة العربية السعودية 2030.
التركيز على البدايات الصحيحة يضمن النتائج الجيدة, يساعد كثيراً في تناغم العمل المستقبلي وجودة مخرجاته؛ خاصة ما يتعلق منه بتحديد الصلاحيات، ووضع المعايير، وضبط العلاقة المؤسسية والرقابة ومراكز الدعم المتخصصة. العمل وفق نظام محدد هو ما تنتهجه الشركات الكبرى المسيطرة على الاقتصادات العالمية التي تخضع بشكل دقيق لمتطلبات ومعايير الحوكمة؛ التي بدأ مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية تطبيقها على مشروع «رؤية المملكة2030».
تطبيق الحوكمة؛ بمعناها الشمولي؛ على برنامج الرؤية أمر حفز ويبعث على التفاؤل بعهد جديد من التعامل الحكومي المقنن والمؤطر بقوانين وأنظمة محددة تضمن جودة العمل وكفاءته؛ وتحقيق الأهداف وفق معايير قياس وأنظمة تحكم؛ وتعزيز النزاهة والشفافية.
تقسيم المسؤوليات في «رؤية2030» وفق نظام الحوكمة سيعزز فرص النجاح؛ وتحقيق الأهداف؛ شريطة الإلتزام بالحوكمة كنظام لا يمكن تجاوزه أو كسر معاييره الصارمة. وفق النظام الجديد أصبح مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية معنيا بالإستراتيجية والآليات والبرامج، في الوقت الذي حمل الجهات التنفيذية المتمثلة في الوزارات والمؤسسات الحكومية؛ مسؤولية التنفيذ؛ وأصبح الوزير ورئيس كل مؤسسة حكومية مسؤولاً عن الإنجاز وحل المشكلات.. في الوقت الذي ستتولى فيه اللجنة المالية مسؤولية تمويل العمل وإدارة التدفقات النقدية وفق معايير دقيقة مرتبطة بالمجلس. التنظيم الإداري لهذه اللجنة يتطلب نوعاً من الاستقلالية المعينة على تعزيز النزاهة والشفافية وضبط النفقات.
الإشارة الواضحة لتخطيط التدفقات النقدية يكشف عن عمق تنظيمي في حوكمة الرؤية؛ فالتدفقات النقدية هي روح المشروع ومن دونها قد يواجه بتحديات كبرى تقود إلى توقفه أو ربما فشله.. وجود المدقق المالي الخارجي يمكن أن يعطي مجلس الإدارة «مجلس الشؤون الإقتصادية والتنمية» رؤية شاملة عن النفقات والموارد والوضع المالي بشكل عام.
ولضمان وضوح الرؤية والشفافية ستتولى اللجنة الإعلامية بمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية إدارة العمليات الإعلامية و رصد ردود الأفعال وتصحيح القراءات الخاطئة من خلال تدفق المعلومة النقية من مصادرها.. الإستراتيجية الإعلامية قاعدة من قواعد نجاح الرؤية؛ لذا من الجميل الاعتناء بها والتعامل معها وفق عمل احترافي متقدم.
تشكيل اللجنة الاستراتيجية المعنية بمتابعة الرؤية، وتحويلها إلى استراتيجيات مفصّلة، سيسهم في توزيع الأهداف الكبيرة وتحويلها إلى أهداف متوسطة وأقل حجماً تتصف بالانضباطيه ويمكن التعامل معها بكفاءة وفق الإدارات المعنية؛ إضافة إلى قدرتها من خلال الإدارة على تحديد الفجوات واقتراح البرامج التنفيذية، ورفع التقارير الدورية للمجلس.
القياس أهم أدوات الحوكمة.. وربط العمل الحكومي بالقياس يفتح آفاق رحبه للتطوير المبني على الكفاءة والجودة والمحاسبة والشفافية.. وهو ما كنا نحتاجه منذ عقود.
إشراك المجتمع في متابعة أداء البرنامج والأجهزة المعنية من خلال نشر لوحات مؤشرات الأداء وتقارير دورية مدققة سيعزز المشاركة الوطنية ولتأييد التام للرؤية. دور المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة، أحد أهم الركائز التي تعتمد عليها الرؤية. إشراك المجتمع في متابعة أداء البرنامج والأجهزة المعنية من خلال نشر لوحات مؤشرات الأداء وتقارير دورية مدققة سيعزز المشاركة الوطنية وسيسهم في ترسيخ الإيمان بأهمية الرؤية وإمكانية تحقيق أهدافها.
نظام الحوكمة من أهم الأنظمة الإدارية الفاعلة الضامنة لكفاءة العمل ونزاهته وجودته وشفافيته.. إطلاق هذا النظام من قبل مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية قبل البدء في التنفيذ يعني تجهيز الأرض الحاضنة للمشروع والضامنة بإذن الله لمخرجاته؛ شريطة الإلتزام بتفاصيله الدقيقة وعدم السماح بتجاوزة. فالنظام قادر على تحقيق الأهداف متى ما تم الإلتزام بها بعيدا عن الخروقات والتدخلات والتجاوزات التي يمكن أن تتسبب بضعف المخرجات وصعوبة تحقيق الأهداف المرسومة.