محمد بن فهد العمران
مع اقترابنا من العد التنازلي لانتخابات الرئاسة الأمريكية، فلا أحد يختلف حول شخصية مرشح الحزب الجمهوري السيد دونالد ترامب في كونها شخصية مثيرة للجدل لأسباب عدة منطقية من أهمها: تصريحاته النارية من وقت لآخر، ودخوله عالم المصارعة الحرة، ومشاركته في أحد البرامج التلفزيونية الترفيهية، وأخيراً لأنه إنسان بعيد تماماً عن السياسة يمثل الجيل الثاني من عائلة تجارية متخصصة في النشاط العقاري ثم يقرر فجأة دخول العالم السياسي من أوسع أبوابه ليصبح رئيساً محتملاً لأقوى دولة في العالم، فلا عجب في ذلك فقد سبقه على الرئاسة من كان ممثلاً فاشلاً في إستديوهات هوليوود السينمائية!!
برغم ذلك، يبقى التساؤل المهم مطروحاً: ماذا لو فاز ترامب في الانتخابات المرتقبة وأصبح رئيساً للولايات المتحدة الأمريكية؟
بداية يجب أن لا نستهين بالإجابة على هذا السؤال بأي حال من الأحوال، لأن استطلاعات الرأي هناك أظهرت خلال الأسابيع الأخيرة تحسناً ملفتاً في شعبية ترامب مقابل السيدة هيلاري كلينتون (التي لم تتمكن حتى الآن من حسم معركتها داخل الحزب الديموقراطي لتكون مرشحة الحزب في الانتخابات)، حيث تشير استطلاعات الرأي في الأسبوع الماضي إلى تساوي شعبية ترامب مع شعبية كلينتون لأول مرة خلال عام 2016م، بينما كان الفارق بينهما شاسعاً بأكثر من 12 % خلال شهر أبريل الماضي لصالح كلينتون، مما يدل على أن احتمالات فوز ترامب أصبحت تتزايد يوماً بعد يوم وبشكل غريب وخطير!!!
حتى نفهم سر شعبية ترامب المتزايدة فيجب علينا النظر لبرنامجه الانتخابي من الجانب الاقتصادي، حيث سنجد أن السيد ترامب لمس على جرح المواطن الأمريكي عندما ركز على قضايا اقتصادية حساسة من أهمها: خلق وظائف جديدة للمواطن الأمريكي، دعم الصادرات الأمريكية من خلال إرغام الصين على الرضوخ لاتفاقيات تجارية جديدة مع الولايات المتحدة، تخفيض الضرائب على الشركات الأمريكية وعلى الأفراد متوسطي الدخل، تضييق الخناق على وجود العمال الأجانب داخل الولايات المتحدة، إرغام المكسيك وعلى حسابها ببناء جدار عازل على طول الحدود الأمريكية المكسيكية لمنع الهجرة غير الشرعية، منع كبرى دول العالم من التلاعب بأسعار صرف عملاتها أمام الدولار الأمريكي وغيره الكثير.
من الواضح أن البرنامج الانتخابي للسيد ترامب تضمن إصلاحات اقتصادية جريئة تدغدغ مشاعر المواطن الأمريكي، لكن المهم أن الجانب الاقتصادي من برنامجه الانتخابي يرسل لنا إشارات مفادها أن الاقتصاد الأمريكي يعيش أوضاعاً سيئة جداً بخلاف ما نسمعه من تصريحات متكررة لمسؤولي الفيدرالي الأمريكي عن تحسن في سوق العمل، وعن النمو الاقتصادي والتي على أساسها تم إيقاف برنامج التيسير الكمي منذ أكثر من عام دون أي نتائج إيجابية حقيقية حتى الآن، بينما الواقع الملموس يشير إلى تباطؤ في النمو الاقتصادي وإلى رفع قسري في أسعار الفائدة، والأهم إلى تدهور في المعدلات الحقيقية للبطالة بين العمال الأمريكان. ويبدو لي أن هذه النقطة هي التي ستلعب دوراً مفصلياً في تحديد من هو الرئيس القادم.
بالنسبة لدول المنطقة فلن تكون بمعزل عن ما سيحدث للصين وللمكسيك في حال فوزه بالانتخابات، فهو من البداية - ومع الأسف - أطلق تصريحات نارية أقرب ما تكون بالعنصرية أعلن من خلالها حرباً على الإسلام وعلى الدول المنتجة للنفط، مما يدل على أن العلاقات السياسية والاقتصادية للولايات المتحدة مع دول المنطقة وربما بقية دول العالم لن تكون هادئة، وربما تشهد تغيرات جوهرية في التحالفات الإقليمية وموازين القوى بين بقية دول العالم، وهي بالتأكيد مخاطرة كبيرة على الولايات المتحدة تذكرني كثيراً بالمخاطرة التي أقدم عليها هتلر في نهاية الثلاثينات الميلادية عندما مر في ظروف اقتصادية مشابهة وعندما كان يعتقد أنه هو الأقوى، نسأل الله السلامة للجميع.