كتب - المحرر:
ليس على المرء أشد وطأة من غروب شمس العمر وحسرته على أيامه ورؤيتها تذوب شيئا فشيئا وهو عاجز عن ايقاف عجلة العمر ووجعه من تكسر أغصان الأيام واحدا واحدا وألمه من صورة أوراق العمر التي فقدت خضرتها ونظارتها وأصبحت هشيما تتقاذفه الرياح وحسرته على الشباب الذي ولّى إلى غير رجعة، وتلك المشاعر يعاني منها الجميع عندما تحين، ولكن وقعها على الشعراء أكثر وضوحا وجلاءً من خلال رصدهم لمشاعرهم وبقاء أحاسيسهم في ذاكرة الأيام وصفحات الشعر.
وها هو الشاعر/ كعب بن زهير الذي قال:
(بانت سعاد فقلبي اليوم متبولُ)
يبكي هنا فراق شبابه ويجفل من شيبه الذي أقبل يقول:
بان الشبابُ وأَمْسَى الشَّيْبُ قد أَزِفَا
ولا أرى لشبابٍ ذاهبٍ خلَفا
عاد السوادُ بياضاً في مفارقه
لا مرحباً ها بذا اللونِ الذي ردفا
ليت الشَّبَابَ حَلِيفٌ لا يُزَايِلُنا
بل ليته ارتدّ منه بعضُ ما سلفا
أما الشاعر/ محمود سامي البارودي فيقول بخبرة المجرب منبها لمن لم يصل إلى مرحلة الشيب أن لايضيع فرصة الغنيمة من الأيام قبل المشيب:
بادرِ الفرصة، واحذر فوتَها
فَبُلُوغُ الْعِزِّ في نَيْلِ الْفُرَصْ
واغْتَنِمْ عُمْرَكَ إِبَّانَ الصِّبَا
فهو إن زادَ مع الشيبِ نقَص
إِنَّمَا الدُّنْيَا خَيَالٌ عَارِضٌ
قلَّما يبقى، وأخبارٌ تُقصْ
تارة تَدجو، وطوراً تنجلِى
عادة الظِلِّ سجا، ثمَّ قلص
فَابْتَدِرْ مَسْعَاكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَنْ
بادرَ الصيدَ معَ الفجرِ قنصْ
وقد يُفاجأ المرء بظهور شهب المشيب في ليل شعره فتكون ردة فعله قوية تجاه حقيقة أيامه، كما في حال الشاعر/ جبران خليل جبران حين قال:
علا مفرقي بعد الشباب مشيب
ففودي ضحوك والفؤاد كئيب
إذا ما مشى هذا الشرار بلمة
فما هي إلا فحمة ستذوب
أراعك إصباح يطارد ظلمة
بها كان أنس ما تشاء وطيب
فما بال ضوء في دجى الرأس مؤذن
بأن زمانا مر ليس يؤوب
غنمنا به أمن الحياة ويمنها
كليل به يلقى الحبيب حبيب
أما الشاعر عبدالله بن دويرج فيعزو شيبه الى احواله المعيشية السيئة وتكالب الأيام ضده هربا من الاعتراف بتقدم العمر:
يا راسي اللي شاب من قبل حينه
مما جرا لي والخلايق مريحين
يا قلبي اللي حنّ واطول حنينه
حنّة مفاريد واهلهن محيلين
أما الشاعر/ مبارك بن مرجان فشبابه فر قبل أن يحقق ما كان يخطط لتحقيقه وينال ما يصبو إليه ليتمتع في شيبه بثمرة ما قدمه من أيام لرحى الزمن التي تفتت الأيام:
شابت لحانا مالحقنا هوانا
وعزي لمن شابت لحاهم على ماش
صرنا نكد وكدنا ماكفانا
عيشة وزا يالله على الكر نعتاش
نبي نغرب كان ربي رشانا
والانطوش بمصر من عرض ماطاش
أما الشاعر/ مرشد البذال فقد كان واقعيا مع بوادر شيبه واترافه أن الشباب لم يفلت منه بغتة وإنما أخذ منه ما استطاع ان يغتنمه:
من يوم بان الشيب في عارضن لي
والكبر بانت في عظامي افعوله
اليوم جزت من الجهاله لعلي
مثل الذي في توبته باركوا له
أيامي اللي من قديم ضحكن لي
أقفت كما نشرن بعيدٍ محوله