المدينة المنورة - مروان قصاص:
المدينة المنورة.. كغيرها من مدن مملكتنا تتميز في شهر رمضان المبارك بروحانية عظيمة وتغيير شامل في أساليب الحياة اليومية وعادات وتقاليد متميزة وهي وإن كانت متغيرة من منطقة إلى منطقة أخرى ولكن طابعها العام يكاد يكون واحدًا في كافة أنحاء المملكة وهو الطابع الروحاني المتميز.
والمدينة تتميز بأجواء خاصة جعلت منها منطقة جذب كبيرة خلال الشهر الكريم حيث استقبلت منذ غرته عددًا كبيرًا من المواطنين في المناطق الأخرى ومن دول عربية وإسلامية يفدون إليها لقضاء عدة أيام من هذا الشهر في رحابها الطاهرة ليستمتعوا بروحانية هذه الأيام المباركة. ويشهد مطار الأمير محمد بن عبدالعزيز الدولي بالمدينة المنورة كثافة متزايدة في عدد الرحلات الدولية والداخلية التي تنقل أعدادًا كبيرة من الزوار والمعتمرين عدا القادمين برًا من الداخل والخارج
ويحتفل أهالي المدينة المنورة بقدوم شهر رمضان ويبدأ الاحتفاء بهذا الشهر بتوفير احتياجات الشهر وكان الأطفال يحتفلون بقدوم شهر رمضان بالتجمع ليلة 29 شعبان وترديد بعض الأهازيج الرمضانية القديمة ومنها «جابوه ما جابوه» وهو تساؤل ثبوت رؤية هلال الشهر ويستمر تجمع الصغار حتى سماع أصوات المدافع معلنة حلول الشهر الكريم وعندها يذهب الجميع لتقديم التهاني للأهل والاستعداد لأول سحور في هذا الشهر الكريم.
ويقول السيد جعفر سبيه أحد كبار السن في المدينة المنورة: مما لا شك فيه أن لشهر رمضان المبارك روحانية عظيمة ولأيامه تميزًا خاصًا وطعمًا متفردًا في كافة المدن ولكن في المدينة المنورة تتضاعف الروحانية والتَّميز بوجود المسجد النبوي الشريف وتوافد أعداد كبيرة من الزوار والعمار وقال سبيه إن لنا مع هذا الشهر ذكريات جميلة وكبار السن ما زالوا يتذكرون الأهازيج الشعبية الجميلة التي كنا نرددها ونحن صغار قبل قدوم شهر رمضان وهي لوحة شعبية تجسد فرحتنا بهذا الشهر الكريم أعاده الله علينا وعلى المسلمين بالخير والبركات وما زلت أذكر الأهازيج الجميلة التي كنا نتغنى بها مساء اليوم التاسع والعشرين من شهر شعبان وهي ليلة «الشك» حيث نجوب شوارع وحارات المدينة المنورة القديمة ونردد كلمات بسيطة مازلت أذكرها وأحن إليها لأنها تذكرني بأول سنوات العمر وتذكرني بأصدقاء كانوا ورحلوا عنا. ومن الصور التراثية الجميلة صورة و»المسحراتي بطبلته الصغيرة» وهو ظاهرة عرفتها أحياء المدينة المنورة القديمة وكان لكل حارة وحي مسحراتي خاص يقوم في الساعات الأخيرة من كل ليلة من ليالي الشهر الكريم بجولة في نطاق حارته ولا يدخل الحارات الأخرى ويحمل طبلة صغيرة يطرق عليها بدقات مميزة وينشد أهازيج جميلة بصوت شجي ينادي من خلالها الصائمين للقيام لتناول طعام السحور داعيًا الله لهم بالقبول وبسحور هنيء وكان المسحراتي يقوم أحيانًا بالطرق على أبواب بعض السكان لإيقاظهم من النوم ويقدم له الأهالي بعض النقود والطعام أو يدعونه لتناول السحور معهم ويستمر المسحراتي بأداء مهمته حتى آخر ليالي الشهر الكريم حيث يقدم له الأهالي «العيدية» وهي عبارة عن ملابس وزكاة الفطر وبعض المال.
ومن العادات الجميلة التي تعزز التكافل الاجتماعي وتؤكد تميز بلادنا بالخير انتشار موائد الخير وتشهد المدينة المنورة خلال هذا الشهر المبارك انتشار الموائد الرمضانية في ساحات المسجد النبوي الشريف وكذا داخل أروقة المسجد وهي متنوعة حيث يكتفي داخل المسجد النبوي الشريف بتقديم التمر والماء والقهوة والخبز فقط للمحافظة على النظافة العامة داخله أما خارج المسجد فإن الموائد المقدمة في الساحات المحيطة بالمسجد تشتمل على عديد من الأطباق المتنوعة وشتى أنواع العصائر والأرز وغير ذلك من الأطباق التي يجتمع حولها المفطرون من العمالة الوافدة والمسافرين والزوار هذا عدا الوجبات التي يتم توزيعها قبل مغرب كل يوم على المنازل والسفر الرمضانية في مساجد الأحياء. (يا بليلة بللوكي سبعه جوار خدموكي وبالخل والكمون خللوكي بليلة بللو) هذه من الاهازيج الجميلة التي يشدو بها الباعة لترويج طبق البليلة التي تنتشر في ليالي رمضان في إحياء وحارات المدينة المنورة وببسطات جميلة تحمل ألوان التراث الشعبي وتسمع بائع آخر يقول تعال شوف يا صائم.. هذه البليلة بالليمون.. وعليها شوية كمون.. تعالى ذوقي يا عروسة.. هذه البليلة المضبوطة.. يا بليلة بللوكي والبليلة - الحمص المسلوق - ويتم وضع البهارات والمخلل عليه وكان وربما أصبح بيع البليلة مقتصرًا على شهر رمضان وما زالت البليلة حتى يومنا هذا يتم بيعها في عديد من المحلات ولعل أشهرها حي البحر وهي حارة شعبية حضارية حيث يوجد هنا أشهر بائع بليلة في المدينة المنورة.
كما أن المدينة المنورة تشتهر في رمضان المبارك بكثرة زيارات الأهالي لبعضهم، ويترددون بشكل يومي على أحد المنازل لتناول الإفطار، مصطحبين معهم ما يقومون بصنعه بمنازلهم من مأكولات وعصيرات ومشروبات باردة أبرزها «السوبيا» ومشروب التمر الهندي.