د. محمد بن إبراهيم الملحم
المعلم يختلف عن الموظف كثيرا ولكن لدينا لا فرق بينهما فكلاهما تنطبق عليه أنظمة وزارة الخدمة المدنية بالسواء دون النظر إلى اختلاف طبيعة المهمة فالموظف الإداري إن أتى متأخرا وتكرر منه ذلك ستتأخر المعاملات ولكن تأخر المعلم يفوت العلم على الطلاب فيسلق الموضوع فيما بقي من الوقت أو إن ضاعت حصة كاملة يعوضها بدمج درسين في حصة أو بحذف بعض المنهج وهو أشنع وأفظع. الموظف لا تؤثر سيرته السلوكية على وظيفته فإنجاز عمله يعني تحقيقه هدف الوظيفة لكن المعلم سيء السلوك مهما أبدع في التدريس وهو قدوة تربوية سيئة فلم يحقق أهداف الوظيفة التربوية. والموظف ليس مطلوبا منه الإبداع والإثراء فعمله محدد وعليه أن يحسن الأداء في التنفيذ كما نصت عليه الإجراءات ويتبع أنظمته وطرائقه التي ما إن يكررها شهرين أو ثلاثة حتى يعادل أداؤه خبير السنتين والثلاث أما المعلم فعمله يتبع ما يسمى «أفضل الممارسات» Best Practice وهو في الواقع فن أو ما يطلق عليه State of Art وليس مجرد «عمل» Work ، صحيح إنه يتضمن في سياقه التنفيذي بعض الممارسات الشبيهة بعمل الموظف مثل الدوام والتوقيع على التعاميم وحضور الاجتماعات وتدوين التقارير لكن هذه لا تتعدى 20 بالمائة من مجمل عمله والذي غالبه يتركز في مجال فنيات العمل لا أداءاته، وهذا يستدعي أن من يعمل في مهنة التدريس ينبغي له أن يحبها وتكون متوافقة مع طبيعته الشخصية، وهو أمر تهتم به الدول المتقدمة في التعليم والتي ترتكز سياستها على المعلم مثل سنغافورة وفنلندا فتجعل من خصائص المتقدم للوظيفة الشخصية محورا مهما لقبوله إلى الوظيفة فلا يكفي ما يحققه من معدلات تخرج عالية (في سنغافورة تقبل لمهنة التدريس ذوي المعدلات العالية فقط) أو ما يحصل عليه من مؤهلات تربوية متقدمة (في فنلندا متطلب ماجستير تربوي) بل لابد أن يظهر انتماء شخصيا إلى مهنة التدريس ولذلك منهجه عندهم في إجراءات التوظيف (ففي سنغافورة مثلا مراقبة طلاب المرحلة الثانوية لاستكشاف محبي مهنة التدريس ثم تطوير هذه السمة لديهم مع وعد بالتوظيف).
وهذه المتطلبات في تلك الدول ترتب عليها مكاسب للمعلمين ففي فنلندا وظيفة المعلم هي الوظيفة رقم 1 اجتماعيا وفي سنغافورة رواتب المعلمين من أعلى الرواتب، والسؤال المهم الذي تدور عليه أطروحتي هنا هو لماذا لا يتم استحداث نظام خدمة مدنية مختلف عن ذلك الذي يوظف عليه الموظف الحكومي العام فيكون خاصا للمعلم، كما تشرف عليه وزارة التعليم فقط لا الخدمة المدنية فيتضمن الحوافز المشجعة حسب طريقة عمل المعلم لا الموظف كما يتضمن الجزاءات الرادعة المبنية حسب ظروف الموقف التدريسي التي هي مهمة المعلم في وظيفته التي يتقاضى عنها أجرا لا أن تطبق جزاءات الموظف فيستغل المعلم المتلاعب هذه الفجوة، ولا يقتصر الأمر على ذلك فالأمر يتطلب حزمة متكاملة فيشمل أيضا إجراءات ومعايير التوظيف وفترة التجربة والتدريب على رأس العمل ومكافآت العمل الإضافي وغير ذلك من المتغيرات التي يختلف فيها المعلم عن الموظف اختلافا جذريا. بدون إصلاح جذري للنظام لن نتمكن من النهوض وسيبقى تغيير الأشخاص والقيادات درجة ثانية لحسن التطبيق الذي نشكو منه اليوم أي أن نهضتنا التعليمية (إن تحققت) ستكون دائما «درجة ثانية».