تحقيق - خالد العطا الله:
أصبحت قرية علقة التراثية وجهة ومقصداً سياحياً لأهالي محافظة الزلفي، بعد أن تحولت إلى متحف جميل بتكاتف وجهود أبنائها ووقفة بلدية المحافظة فجعلوا منها قرية تراثية تضم بيوتاً تحكي أسرار أجدادنا وقصصهم، وتروي لشبابنا حال من كان قبلهم وكيف كانت بيوتهم، وطرق عيشهم، وكيفية مأكلهم وملبسهم.
تراث أبى أن يغيب وسيزاحم الحاضر المجيد ليبقى ذكرى عاطرة لا تُمحى من الوجود، إن القرية الصغيرة التي استخدم الطين والتبن والأخشاب في عمليات ترميمها لكيلا تفقد هويتها أصبحت لوحة جميلة رسمها أبناء المنطقة واستمتع بمشاهدتها الأهالي وزوار المحافظة، «الجزيرة» تجولت في «علقة» وخرجت بالتحقيق التالي:
تحدث فرهود بن صالح الفرهود - من أهالي المنطقة - عن بداية عملية إعادة القرية للواجهة حيث قال: انتقل السكان من القرية قبل 40 عاماً أو تزيد وبقيت على وضعها القديم ومع مرور السنين وعدم الصيانة وتوالي الأمطار عليها تعرض معظمها للسقوط وتهدمت المباني».
وأضاف قائلا: «جاءت فكرة تفعيل برنامج «لا يطيح» الخاص بإعادة الترميم، حيث لاقى اهتماما من محافظ الزلفي السابق زيد آل حسين، وشارك فيه مجموعة من كبار السن والشباب وكان برعاية رجل الأعمال أحمد العارضي، ثم تقدم المحافظ بطلب ترميم لقرية علقة وقرية العقلة جنوب الزلفي وجاءت الموافقة ورصد لهما مبلغ 10 ملايين من قبل بلدية المحافظة».
وذكر الفرهود أن هناك مجموعة من الأهالي قاموا بترميم منازلهم، وبدأت البلدية بترميم الجدران التي على الشوارع والممرات وتبليطها وإنارتها وإقامة مجلس عام شرق القرية التراثية، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن ينتظر أن يتم افتتاحه خلال الأيام القادمة وتسليمها لهيئة السياحة والآثار لتُفتتح رسميا.
وأفاد الفرهود أنه زار القرية عدد لا يستهان به من السياح من داخل المملكة وخارجها ومن أبرز الشخصيات الأمير سلطان بن محمد، خالد العرج وزير الخدمة المدنية، ووفود من السفارات، مطالبا بأهمية إقامة محال لبيع منتجات الأسر المنتجة، ومهرجانات ثقافية، ومزادات لبيع القطع التراثية.
تكاتف الجميع
من جانب آخر أثنى رجل الأعمال أحمد العارضي على تكاتف الجميع لتعود الحياة ثانية لقرية علقة بعد سنوات من هجرانها، وللبلدية الشكر الأوفر على تعاونها ووقفتها الصادقة.
تاريخ أصيل
وفي ذاته السياق قال علي المتعب ـ وهو أحد المبادرين لبرنامج لا يطيح ـ إن المواطن يعيش بين تاريخ أصيل وحاضر شامخ ومستقبل مشرق، والقرية التراثية بعلقة هي أحد المعالم التراثية بالزلفي، حيث حظيت باهتمام من الجهات الحكومية المعنية وكذلك اهتمام سكان المركز فكان هذا المعلم التراثي البارز، وسيحظى ببرامج سياحية بإذن الله مثل المهرجانات الشعبية والندوات والأمسيات التاريخية، وما نتمناه أن تحظى القرية بدعم هيئة السياحة فهي عنوان للتميز والإبداع ولعل نشاطها يصل القرية وتسهم في تطوير السياحة بالزلفي.
جهود الأهالي
كما تحدث مدير الآثار بالمحافظة ماجد الغزي، قائلاً: تهتم الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بالقرى الأثرية السياحية وحيث إن قرية علقة ذات جذب سياحي لما تتصف به من الوحدات السكنية المتراصة ذات الطابع المعماري النجدي القديم وبعد عدة خطابات ومكاتبات مع الجهات ذات العلاقة من أجل الدعم والمساهمة لتأهيل وترميم تلك القرية فقد قامت بلدية المحافظة بتأهيل وترميم القرية بالتنسيق مع مكتب الآثار بالزلفي، كما قام الأهالي بترميم بعض منازلهم مما أعاد إلى القرية ملامحها التراثية.
وأكد قاسم الفرهود ـ من أهالي المنطقة ـ إن قرية علقة التراثية هي عبق الماضي، وجمال الحاضر، وروعة المستقبل، فالجهود الكبيرة بُذلت، والأموال الطائلة صُرفت لتعيد لنا الحياة مع ذكريات الآباء والأجداد، تلك القرية التي جعلت من علقة مقصداً للسائحين فزادتها شهرة وانتشاراً، فالشكر لكل من سعى وبذل ماله ووقته وجهده.
نموذج للقرية النجدية
بينما يرى عبدالله الحميدي أن أهمية هذه القرية تتمثل في أنها ترسخ في مفهوم الجيل الجديد النقلة الحضارية للمملكة بعد وجود النفط وتبين لهذا الجيل الخير الذي نعيشه في الحاضر مقارنة بما كان يعانيه آباؤنا وأجدادنا، ومثل هذه القرى تكون وجهة للزائر خاصة إذا كان أجنبيا فيكتشف من خلالها الحياة في زمن سابق، وقد يكون لهذه القرى في المستقبل مردود اقتصادي لعدد من أفراد المجتمع ويمكن استغلالها بإيجاد متاحف داخلها يعرض فيها كل ما كان يستعمله أجدادنا في الماضي كي يتكيفوا مع صعوبة الحياة وقساوتها، وأرى أن علقة أصبحت وجهة لكل زائر وعززت من مكانتها كنموذج للقرية النجدية في القدم.
صرح تاريخي
كما بيّن بدر الصحن بأن منازل أهالي علقة القديمة قد صنعت الفارق كوجهة سياحية لكثير من زوار المحافظة من أمراء ومشايخ وأعيان ومواطنين ووفود من القنصليات الغربية، وإن دل هذا على شيء فإنما يدل على تلك النقلة التي أوجدها هذا الصرح التاريخي للزلفي عامة وعلقة خاصة.
لمسة جمالية
من جهته أكد رئيس بلدية المحافظة المهندس عبدالعزيز بن هندي العتيبي، أن مشروع تطوير القرية التراثية بمركز علقة يعتبر من أهم المشاريع التي قامت بها البلدية مؤخراً حيث تم رصد نحو تسعة ملايين ريال لمشروع ترميم المواقع والمباني التاريخية بمحافظة الزلفي لإعادة تأهيل المعالم الأثرية حيث راعت البلدية عند تنفيذ هذا المشروع كل ما من شأنه أن يضفي لمسة جمالية تحاكي ما كانت عليه القرية زمن إنشائها، فقد روعي عند تنفيذ المشروع الاعتماد على المواد المستخدمة في التشييد ومطابقتها للمواصفات الخاصة لإعادة تأهيل الآثار التاريخية اشتملت الأعمال المنفذة على أعمال الأرضية والإنارة والمباني التراثية وتنفيذ ديوانية البلدة التراثية لاستقبال الضيوف ومرتادي القرية والمهتمين بالمواقع الأثرية.