إعداد - سلطان المصادري:
اقتحم صندوق الاستثمارات العامة الذراع الاستثماري السيادي للمملكة سوق استثمارات رأس المال المغامر بتمويل ضخم في شركة أوبر الأمريكية لخدمات سيارات الأجرة يعتبر من الأكبر من نوعه بالتاريخ بلغ 13 مليار ريال. وقد حصل الصندوق بموجب هذا التمويل الضخم على نسبة 5 % من قيمة أسهم الشركة وعلى مقعد في مجلس إدارتها سيشغله المدير العام للصندوق ياسر الرميان. ورفع هذا الاستثمار الضخم من قيمة شركة أوبر السوقية إلى 232 مليار ريال جعلها أكبر من شركتي جي ام وفورد للسيارات ورفع من سيولتها المالية لتصل إلى 41 مليار ريال. شكل هذا الاستثمار بداية عصر جديد من اجتياح متوقع لصندوق الاستثمارات العامة للشركات التكنولوجية والصناعية العالمية، حيث تطمح رؤية المملكة 2030 إلى تحويل الصندوق إلى الأكبر بالعالم بملائة مالية قادرة على شراء شركات آبل وقوقل ومايكروسوفت.. بالكامل.
من هي «أوبر»؟
شركة أوبر التي تقدم خدمات سيارات الأجرة وتتخذ من مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية مقراً لها تأسست في عام 2009. نشأ المشروع كعادة الشركات التكنولوجية حول العالم من مشكلة بسيطة عانى منها مؤسسيها قاريت كامب وترافيسكالانيك حيث واجهوا مشكلة في إيقاف سيارة أجرة في أحد شوارع مدينة باريس الفرنسية المزدحمة، وهنا بدأ الاثنان مشروع استدعاء سيارة أجرة من خلال تطبيق للاستفادة من ثورة الهواتف الذكية التي كانت حديثة النشأة في ذلك الوقت. انطلقت «أوبر» رسميا بعد فترة من الإطلاق التجريبي في عام 2011 وتوسعت اليوم لتصل خدماتها إلى 66 دولة في 463 مدينة حول العالم بأكثر من مليون سائق خاص. توجد «أوبر» في الشرق الأوسط في 8 دول متوزعة على 11 مدينة في السعودية، تتواجد «أوبر» في الرياض والمنطقة الشرقية والمنطقة الغربية. فكرة «أوبر» بسيطة جداً، حمل التطبيق وسجل معلوماتك وبيانات بطاقتك الائتمانية، وعندما تريد الحصول على سيارة أجرة في أي مكان تتواجد فيه، ضغطه واحدة بالتطبيق قادرة على إرسال سائق في سيارة خاصة مباشرة إلى موقع تواجدك من دون أي خطوات أخرى. ما يجعل خدمة أوبر فريدة من نوعها، هو كون السائقين يعملون على سياراتهم الخاصة حيث لا تملك «أوبر» أسطولاً خاصاً بها وإنما تستعير السيارات من قبل السائقين الذين لا تشترط أن يكونون سائقين محترفين، بل مجرد أشخاص عاديين ينون استخدام سياراتهم لتحصيل المال وفق جدولهم الزمني الخاص، حيث لا تشترط «أوبر» أي أوقات عمل رسمية بل تترك الخيار لسائقيها. أحياناً قد يكون هؤلاء السائقين مجرد أشخاص ذاهبين إلى أعمالهم ولكن يرغبون بمشاركة رحلتهم اليومية مع أشخاص أخريين، هذه فكرة «أوبر» بكل بساطة. في السابق كل سيارات الأجرة في العالم توظف سائقين خاصين مع أسطول سيارات كبير، لكن «أوبر» هي مجرد خدمة لمشاركة السيارات تسمح للعملاء بالحصول على سيارة أجرة وللسائقين بالحصول على راكب يشاركهم رحلتهم لكنها توفر خدمات ذكية تمكن الراكب من استدعاء السيارة ودفع أجرة الرحلة بشكل تلقائي وبسيط وبدون أي جهد يذكر. وأكثر من استفاد من خدمة «أوبر» بالسعودية هم النساء حيث يشكلون نسبة 80 % من مجموع الركاب. وأوضحت الشركة بأنها ستقوم بضخ المزيد من الأموال لتنمية تواجدها في الشرق الأوسط وحددت مبلغ يقارب المليار ريال لذلك. بالطبع ستذهب نسبة كبيرة من التمويل السعودي لشركة أوبر لتمويل أسواقها الناشئة فيلصين والهند والتي تواجه فيها منافسة شرسة.
من ينافس «أوبر» عربياً؟
تلقى «أوبر» منافسة في المنطقة العربية من شركتين الغريب أن تمويلهم أتى أيضاً من جهات سعودية. الأولى هي «كريم» وهي شركة إمارتية لخدمات سيارات الأجرة انطلقت في منتصف عام 2012 وتوجد اليوم في 10 دول مثل السعودية ومصر والمغرب وباكستان ودول الخليج والأردن ولبنان وغيرها متوزعة على 27 مدينة. «كريم» تم تمويلها من قبل مجموعة أبراج الاستثمارية الإمارتية ومن قبل الذراع الاستثماري لشركة الاتصالات السعودية STC «فينشرز» ومن قبل صندوق مجموعة الطيار القابضة ومستثمرين آخرين. الشركة الثانية هي «ايزي تاكسي» وهي شركة برازيلية تتواجد في 30 دولة حول العالم في 420 مدينة. توجد «ايزي تاكسي» محلياً في الرياض وجدة وعربياً في الكويت ومصر والأردن. وقد تلقت الشركة تمويل سعودي من شركة اتحاد الاتصالات عبر ذراعها الاستثماري «موبايلي فينشرز».
من ينافس «أوبر» عالمياً؟
ينافس «أوبر» في أمريكا شركتي Lyft وCurb. «ليفت» التي تم اطلاقها من مدينة سان فرانسيسكو الأمريكية في عام 2012 تبلغ قيمتها السوقية اليوم 5.5 مليار دولار، وتتواجد في أكثر من 200 مدينة أمريكية ودخلت مؤخراً السوق الصيني. الشركة الثانية هي «كورب» التي تتواجد في 60 مدينة أمريكية وتتعامل مع 90 شركة رسمية لسيارات أجرة وسائقين محترفين.
عالمياً، ينافس «أوبر» شركات DidiChuxing الصينية وOla الهندية. «ديديشوكو» هي شركة صينية نشأت بعد اندماج أكبر شركتين صينيتين لخدمات سيارات الأجرة (Didi و Kuaidi) بقيمة سوقية تصل إلى 27 مليار دولار. وفرت الشركة الصينية مليار ونصف رحلة في 2015 فقط. وحصلت الشركة على تمويل ضخم من قبل شركة آبل تجاوز المليار دولار ومن «علي بابا الصينية» وتحالفت مؤخراً مع شركة ليفت الأمريكية لتتيح لها فرصة الدخول إلى السوق الصيني. منافسة شركة «أوبر» مع شركة ديديشوكو الصينية تبدوا صعبة للغاية واعترفت «أوبر» لخسارتها لمليار دولار سنوياً في الصين. الشركة الأخرى التي تنافس «أوبر» عالمياً توجد في السوق الهندي وتسمى شركة أوولا Ola وهي تأسست في عام 2010 وتقدم خدماتها في أكثر من 100 مدينة هندية. كما حصل تحالف في الصين بين شركتي ديديشوكو الصينية وشركة ليفت الأمريكية لمواجهة شركة أوبر، حصل تحالف بين شركة أوولا الهندية وشركة ديديشوكوالصينية لمواجهة أوبر في السوق الهندي محاولة لإضعافها أو حتى طردها. «أوبر» اعترفت أيضاً بخسارتها لمبلغ مليار دولار في 2015 في الهند.
لماذا يهمنا مستقبل «أوبر»؟
مستقبل «أوبر» أصبح يهمنا كسعوديين لعدة أسباب، أولاً من الواضح أن استثمار صندوق الاستثمارات العامة كان الأول من نوعه بعد تدشين رؤية 2030 ولكنه لن يكون الأخير (سبق ذلك استثمار في عام 2015 لشراء 38 % من حصة أسهم بوسكو الكورية الجنوبية للهندسة). من المهم أن يعود هذا الاستثمار وغيره من الاستثمارات المستقبلية بعائد ممتاز يُمكن المملكة من تحقيق رؤيتها بوقف الاعتماد على النفط قبل العام 2030. هذا الاستثمار لن يكون الأخير لأن صندوق الاستثمارات ينظرا حالياً في الاستثمار والاستحواذ على شركات تكنولوجية وصناعية وسيعتمد على الاستثمار في رأس المال المخاطر الذي يتطلب دراسة عميقة، وكما يمكن أن يجر أرباح كبيرة، يمكن أن يسبب خسائر طائلة وهذا معروف ومتوقع في استثمارات رأس المال المغامر.
ما هو مستقبل «أوبر»؟
«أوبر» تحتاج أن تتحول إلى شركة رابحة ولا يمكن أن تستمر في الحصول على تمويلات جديدة من دون الحصول على أرباح حالية مجزية. وتحتاج «أوبر» أيضاً أن تتحول إلى شركة مساهمة فالشركة أصبحت قيمتها السوقية تتجاوز مثيلاتها من الشركات العامة. التوقعات تقول بأن «أوبر» ستستحوذ على «كريم» لتسيطر على السوق السعودي والشرق أوسطي ولتخرج «إيزي تاكسي» من المنطقة، وستعرضها نفسها للاكتتاب العام قبل 2019. لكن ماذا ستفعل في السوق الأمريكي والصيني والهندي وسط منافسة شرسة غرقت بجميع الشركات في حرب أسعار لا رابح فيه؟ هذا هو السؤال المصيري الذي يجب أن تجد «أوبر» إجابة مرضية له. كما يمكن أن تسيطر «أوبر» على العالم وتتحول إلى شركة ذات عوائد وأرباح ضخمة جداً، ويمكن ألا تفعل. لا يوجد طريق ثالث.