فواز السيحاني
لطالما تم تناول داعش على أنها: «تيار ديني متطرف» هكذا وحسب، حتى أشهر الصحف في العالم كصحيفة الغارديان البريطانية لم تتجاوز هذه الرؤية السطحية جداً بل أضافت عليها بُعدَّا تبريرا يشعرني بالتوتر في كونها ظهرت كردة فعل أمام موقف العالم المتخاذل تجاه قضايا الشرق الأوسط.
في كل ما تمت كتابته عن «داعش» لم يكن هناك أي قراءة نفسية أو اجتماعية وفق آليات علمية تحاول سبر أغوار هذا التنظيم من جهات مختلفة، إحدى الحكم الجميلة التي أؤمن بها تقول: « لا تنظر من اتجاه واحد، هناك أربع اتجاهات وهي في الغالب لا تكفي!». هذا ما يجب أن يحدث مع الأشياء المقلقة. أن نعتقد بأنّ ما توصلنا إليه لا يكفي وبأننا بحاجة ماسة إلى إعادة التفكير مرارا وتكرارا.
لنحاول أن نصنع افتراضات مختلفة عما يطرح حتى الآن، فعلى سبيل المثال لا الحصر لقد قال المحلل النفسي الشهير كارل يونغ يوما : «إن توقنا لامتلاك أي شيء هو في حقيقته مبطن بتوقنا لتدميره». فماذا لو كان الداعشي هو شخص يتوق بتكوينه النفسي نحو السلطة مدمرا بهذا التوق كل السلطات الشرعية في العالم؟. أو أنه يبحث فقط عن قالب شرعيّ لدى الآخرين ونفسه قبل كل شيء كي يمارس انتقاماته المرّضية كما حدث مع عينات كثر قتلت أبناء عمومتها وأقاربها؟. و هل ذلك الشخص الذي وضع على خصره حزاما ناسفا يريد تفجير نفسه للاستشهاد؟. أم أنه في حقيقة الأمر يرغب في تدمير شكه الداخلي الذي أزعجه حول هذا الوجود؟. لمَ لا؟ فلقد حاول الكثير من فاقديّ معنى الحياة أن ينتحروا بأسرع الطرق الممكنة وينهوا حياتهم البائسة. فماذا لو كانت تلك الفئة التي تردد «الله أكبر « وتزعم بأن الملائكة تحارب معها هي تماما مثل أولئك الذين يريدون الانتحار لأنهم يعرفون في دواخل أنفسهم بأن حياتهم مزعجة وبأن الموت وحده هو الحل الدائم والمريح لكافة عذاباتهم؟.
بل الأهم ماهي المحركات الإنسانية المزورة التي اعتمد عليها هذا التنظيم لتحقيق هذا الجذب؟.
لقد ترجم الدكتور غازي القصيبي -رحمه الله- كتابا مهما كالماء وكأنه يتنبأ قبل أن يرحل عنا بأن المستقبل سيكون أسوء، يحمل هذا الكتاب عنوان «المؤمن الصادق» وهو لأحد علماء الحركات الجماهرية. وضع فيه المؤلف كل المفاتيح المهمة لفهم التنظيمات الراديكالية؛ إلا أنه وللأسف لم يتم الاستفادة منه على الإطلاق في تفسير داعش والقاعدة وغيرها من الحركات. لقد ذكر المؤلف تفسيرات عدة من ضمنها بأن الركيزة الأساسية التي تعتمد عليها كل الحركات المتطرفة هي تجريد كل من ينتمي لها من الاستقلالية والذاتية واستخدام مفاهيم كبيرة كالتضحية بالنفس لتمرير أطماعها وغاياتها وبأنها تحاول جاهدة تكريس فكرة الشيطان والكفر في عدوها. تماماً كما حدث مع هتلر حين سئُل هل كان من مبرر لقتل اليهود ليجيب قائلا: « لو لم يكن هناك يهود لكان من الواجب اختراعهم فمن الضروري أن يكون هناك عدوا شيطانيا وملموسا لا عدوا مفترضا لتحقيق ما نريد!!!!.»
ما أريد أن أقوله بعيدا عن سرد الافتراضات والدوافع الأخرى التي لم أذكرها رغم كثرتها أنه وحتى الآن لا توجد جهة عربية تضم مجموعة من المفكرين والمتخصصين في كافة المجالات الإنسانية والتنظيمات الجماهيرية للوصول إلى قراءات حقيقية وفعالة؟. تقوم بتحليل الخطابات التي يطلقونها، تحاول تفكيكها واستخراج الثيمات الأساسية التي يعتمدون عليها؛ لأني لم أعد أثق في تلك المقالات السريعة أو الرسوم الكاريكتورية التي تصور بأنهم فقط يبحثون عن الحور العين، أو يهدفون إلى سبي أكبر عدد من النساء، ولست أنا هنا أبرر لهم كما حدث مع صحيفة الغارديان فهم مجرمون وأتمنى انقراضهم بسرعة. أنا هنا فقط أحاول أن أقول: (نحن بحاجة ماسة لأن تقوم المؤسسات البحثية بصناعة قراءات مختلفة ذات بعد أكثر جدية من تلك المقالات التي نقرأها دون أن نعرف شيئاً مهماً سوى أن تنظيم داعش لا زال يقتل بشراسة).