«الجزيرة» - سعود الشيباني:
كشفت الدكتورة كوثر خلف حامد المبتعثة في جامعة لورنس كانساس والكاتبة بقضايا المبتعثين الأمنية والاجتماعية عن سر تجنيد الشباب للجماعات الإرهابية وانضمامهم لداعش مؤكدة، أن هناك أعداء للوطن يركزون على القوة الأكثر جبروتا في العصر الحاضر وهي قوة التحكم بالعقول، والتي تتم بشكل مبرمج وخفي يتم من خلالها إحداث تحولات نفسيَّة عميقة تصل إلى درجة توجيه فكر الضحية ضد عقيدتها وأفكارها وتبنيها عقيدة مشوه عكس مصالحها، وهو ما يطلق عليه علميا عملية إعادة تعليم أو ما يسمى (Re education).
وبينت الدكتورة كوثر حامد في تصريح لـ«الجزيرة» أن الكثير منا متعجب وخاصة ممن لا يمتلك خلفية كافية في علم النفس أن المنتسبين في صفوف داعش من السعوديين، وبالذات صغار السن منهم يقومون بقتل آبائهم وإخوانهم بدم بارد دونما أي اكتراث وإنما بابتسامة كلها نشوة وفرح، لكن حقيقة الأمر القضية أعمق من ذلك بكثير، فالبعض قد يلقي اللوم على المناهج وعلى أساليب التدريس ويعتقد أنها السبب في إخراج جيل قد يميل للعنف لدرجة تجعله يقبل على التجنيد في صفوف المنظمات الإرهابية كداعش وغيرها، ولكن في الحقيقة أن المناهج المدرسية والخطب التي تلقى في المساجد وكل الحجج التي ألصقت فيها تهمة تعزيز العنف في الجيل ما هي إلا حجج كاذبة ليس لها أساس من الصحة يروج لها البعض، إما داخلياً أو خارجياً بقصد أو دونما قصد بهدف التشكيك بمناهجنا وتحطيمها، وبالتالي العمل على إخراج الهوية العربية الإسلامية منها، ومن المعروف أن الحروب تمحورت و لم تعد ترتكز على القنبلة الذرية أو الصواريخ، وإنما ترتكز على القوة الأكثر جبروتا في العصر الحاضر وهي قوة التحكم بالعقول، والتي تتم بشكل مبرمج خفي يتم من خلالها إحداث تحولات نفسيَّة عميقة تصل إلى درجة توجيه فكر الضحية ضد عقيدتها وأفكارها وتبنيها عقيدة مشوهة عكس مصالحها، وهو ما يطلق عليه علميا عملية إعادة تعليم أو ما يسمى (Re education).
وقالت الدكتورة كوثر حامد: ليس سرا استخدام الكثير من التقنيات والبرامج خلال القرن الماضي مثل برنامج ( MK-ULTRA) في برمجة الانتحاريين الذين تم استغلالهم لتنفيذ الكثير من الاغتيالات وقد كان الصحفي الأمريكي»إدوارد هنتر» أول مفكر أمريكي حاول لفت أنظار المجتمع إلى قضية عدوانية المجندين الأمريكيين الأسرى ضد أمريكا، أي وطنهم إبان حرب أمريكا مع كوريا، حيث لوحظ بشكل واضح للعيان تبدل هؤلاء الجنود في قيمهم ووطنيتهم من بعد خروجهم من السجون الكورية في الصين، وبدأت الحكومات تهتم بالأبحاث المرتبطة بما يسمى بالسيطرة على العقول.
وأضافت الدكتورة كوثر حامد: إن تنظيم داعش يعد من أخطر التنظيمات الإرهابية التي تجند شبابنا رغم أن هذا التنظيم لا يمتلك قنبلة نووية ولا تعداد الجيوش التي تملكها الدول العربية ولكنه يتفنن باستخدام طاقته النفسية وبشكل مكثف وملفت لكل خبراء علم النفس في الدول المتقدمة، مشيرة إلى أن داعش يعتمد في تجنيده على طلبة الجامعات أو المدارس الثانوية لاتصالهم الدائم بالإنترنت ولنشاطهم المستمر بوسائل التواصل الاجتماعي وأيضا لسهولة السيطرة على عقولهم من خلال تقنيات نفسية محددة برعوا فيها، وبحسب ما نشره بعض الكتاب في الولايات المتحدة فإن أهم الأساليب النفسية المستخدمة من قبل داعش للسيطرة على العقول الفتية هي تقنية الإكراه أو ما يسمى (coercion) وتقنية التلاعب النفسي أو ما يسمى (psychological manipulation) ومن خلال هذه التقنيات النفسية تتلاعب داعش بعقول البشر، وخاصة المراهقين لتجندهم ضمن صفوفها كإرهابيين، وبذلك فإن ما يقوم به هؤلاء المجندون من ذبح وسفك دماء لا يعد خيارا بالنسبة لهم فهم غير مدركين ذهنيا أنهم متورطون بعمليات قتل وذبح؛ لأنه وبفضل تقنيات مسح الدماغ التي مورست على عقولهم بدرجة كافية تجعلهم يقومون بعملية ذاتية تخيلية دائمة، وهو ما يسمى (projection) والذي يجعلهم يظنون أنهم يجاهدون ويقاتلون في سبيل أهداف نبيلة كإيجاد مدينة العدل الكاملة، والقضاء على الكفرة وإبادتهم وإنهاء الفقر من حياة الأمم.
وبينت الدكتورة كوثر حامد، حسب شهادة أحد خبراء علم الإرشاد (Steven Alan) والذي كان أيضا ضحية و عضو سابق بمنظمة دينية كورية إرهابية عندما كان طالبا في عمر الثامنة عشرة اعترف بأنه خضع لعمليات تلاعب بأفكاره كانت تجعله يظن انه إنسان صاحب مبدأ سام، يعيش حياته فقط لهدف واحد وهو تحقيق المساواة وإنهاء مسلسلات الإجرام والفقر في العالم وبحسب ما يقول «ستيفن» بأنه وخلال أسبوعين فقط من مسح دماغه وانضمامه لهذه المنظمة الدينية تغير سلوكه كليا وأصبح يتكلم اللغة الكورية ويقضي معظم وقته مصليا يدعو الله أن يحقق أمله بأن يعم الدين المسيحي العالم.
والأدهى من ذلك أن ستيفن اعترف أنه كان مستعداً وقتها لقتل أي إنسان مهما كان قريبا له في سبيل تحقيق هذا الأمل وهو نشر النصرانية، ويقول ستيفن إن تقنيات مسح الدماغ التي استخدمتها المنظمة الدينية التي انضم إليها في التسعينات هي شبيه بالتقنيات التي تستخدمها داعش في مسح أدمغة الشباب وجعلهم على أهبة الاستعداد للقتل في سبيل نشر أفكار غرست في أدمغتهم وتفاعلت مع أفكارهم وغيبتها وصورت لهم أنهم ما هم إلا مجاهدون ينشرون الخير في العالم، وسوف يدخلون الفردوس جزاء لهم، فيقبلون على الموت بكل حب وفرح وبلا رهبة، وقد قام ستيفن الين بتأليف كتابه المشهور الذي يصف فيه ثمانية طرق تستخدمها الجماعات الدينية الإرهابية لغسيل عقول العامة والتلاعب فيها، و لم يكن ستيفن ليبرع في الحديث عن تلاعب المنظمات الدينية الإرهابية بأدمغة النشء لو انه لم يخض تلك التجربة في حياته، والتي يخضع لها الكثير من شبابنا للأسف، وأصبحنا نشهد منهم مظاهر ليست من الإسلام؛ مثال عليها الحوادث الدموية التي اجتاحت مساجدنا. واصطياد و قتل الأقارب الذين ليس لهم ذنب إلا أنهم عناصر تخدم أوطانهم في قطاعات أمنية مختلفة.
وقالت الدكتورة كوثر حامد: إن عملية السيطرة على العقول تتم علمياً من خلال خلق ثغرة بالعقل الباطن وغالبا ما تكون هذه الثغرة هي الخوف. ويتم خلق هذا الخوف عن بعد وان المطلع على الفيلم السينمائي القصير الذي تم تصويره وإخراجه ونشره عالميا من قبل داعش لتغطية مراسيم مقتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة من حرق ودفن كان مليئا بالمؤثرات النفسية والضمنية التي تهدف إلى خلق خوف يصل من خلاله رسالة ضمنية لكل دماغ بشري وتبقى هذه الرسالة تسيطر على عقولنا وتغرس بدواخلها لا شعوريا صورا لا يمكن أن تمحوها الذاكرة.
وبينت الدكتورة كوثر حامد أن جموع المراهقين والمجندين لدى داعش؛ سواء أكانوا من مسلمي الدول العربية والإسلامية أم من النصارى المسافرين سرا من أقطاب أوروبا ليلتحقوا بداعش هم جميعا لديهم أسباب قاهرة تجعلهم يتوحشون فجأة وينقضون على البشر بلا رحمة، وما نشاهده من لمحات لوجوههم ومقاطع لضحكهم الهستيري وابتساماتهم البلهاء في مقاطع القتل المصورة التي يقومون فيها وكأنهم يحتفلون بأحد الأعياد دليل دامغ على أن هؤلاء الشبان غرر بهم بتقنيات تسللت لعقولهم خلسة و بطريقة لابد لنا أن نكتشفها ونحاربها.
وبينت الدكتورة كوثر حامد أن الحل للتصدي لحماية الأبناء هو لابد أن يكون هناك تحرك أسري ووطني وحكومي.
فعلى صعيد الأسرة يجب على الوالدين أن يطبقوا مقولة «إن كبر ابنك خاويه» و يجب أن تتم هذه «المخاواة» الكترونيا؛ أي أن يتابع الأبناء بكل وسائط التواصل وان تكون له صديق مضاف فيها وتنشط يوميا لمتابعة كل من يضيفهم أو يتواصل معهم من أشخاص مشبوهين، أما وطنيا وحكوميا فيجب أن لا يطول الصمت أمام مكافحة هذه التقنيات الخاصة بغسل العقول، وكما تستقطب جامعاتنا ووزارتنا من خارج المملكة الأكفاء والخبراء من مختلف دول العالم إما للنهضة بالجامعات أو المؤسسات فلابد أن تقوم وزارة التعليم أو الصحة والأجهزة المعنية بطلب يد العون من خبراء ألمانيا أو كوريا أو اليابان في تقنيات مسح الدماغ فهذه الدول هي الأكثر خبرة بهذه التقنيات، والأكثر علما بها منذ الخمسينيات، ونحن بحاجة لهذه الخبرات الأجنبية لإرشادنا بكيفية محاربة هذه الآفات النفسية.
ويجب على خبرائنا السعوديين في علم النفس والإرشاد المنشغل بعضهم بالإعلام وعقد الدورات أن ينزلوا من أبراجهم العاجية وان يتخذوا مسؤوليتهم الوطنية ليركزوا أنشطتهم ويوحدوها لمساندة أجهزة الدولة وطرح الحلول عليها والمساهمة بالقيام بدراسات الحالات التي تمت السيطرة على عقولها من خلال أبحاث وفق منهج علمي للخروج بتفسيرات منطقية لكل هذه التحولات السلوكية التي يخضع لها الإرهابيون من أبناء المملكة ومراحلها وبالتالي الوصول إلى توصيات بناء على هذه التفسيرات لمعالجتها وحلها قبل أن يستفحل الوضع سوءا ونخسر من زهرات شباب الوطن الكثير.