لقد عرفته قبل أكثر من خمسة وثلاثين عامًا متميزًا بالجد المثابرة، يرسم الغاية ويبحث عن السبل الموصلة إليها بكل جدٍ واجتهاد فهو رجل عصامي في تكوين ذاته، فمن طالبٍ في المراحل الإعدادية إلى دارس في جامعة الإمام - قسم الإعلام - الأمر الذي جعله يجمع بين ما يتعلمه في الصباح ليعمل به في المساء مراسلاً لصحيفة محلية، ثم تخصص في الإعلام ذي الصبغة الشرعية وكان لقاؤه الأول مع سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في الفتوى ثم في حوار مطول صدر على أثره كتاب عن سماحته بعنوان «ابن باز الداعية الإِنسان»، كان للراحل الفقيد فهد بن عبدالله البكران دور كبير في مادته، ثم انتقل إلى مجلة الدعوة ولازم حينها سماحته مرة أخرى في الفتاوى فأحب المجلة كما أحبته، وكذا العاملين فيها، ثم رحل عن الدنيا ولكن ذكره بقي شامخًا.
تواصل حبه للإعلام فسجل اسمه في الرسالة الأسبوعية التي تصدر عبر صحيفة «الجزيرة» والمتضمنة نشاطات الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، كما كان له دور كبير في إصدار مجلة الحسبة الشهرية وبعدها انتقل إلى وزارة العدل لينتقل الشغف الإعلامي معه مجددًا، حيث أطل عبر برنامج تلفزيوني له تعلق بالوزارة.
وأنهى مشواره الوظيفي مستشارًا فذًا لمعالي وزير العدل آنذاك الدكتور محمد العيسى ليطلب التقاعد المبكر ويبدأ بملازمة مشوارٍ آخر خاص به وأسرته ومحبيه الذي نفذ إلى قلوبهم بكل سلاسة فتمكن من تلك القلوب التي أحبته بصدق وبادلها حبًا بحب.
كان يسعى بكل ما أوتي من قوة بحسه وفكره ليكون هناك شجرة حب ومودة وارفه الظلال ليستظل تحتها كل من حوله وكأني به وقد نذر وقته وجهده في سبيل ذلك، عرفته سخيًا برأيه ومشورته ومسددًا فيها كما كان سخيًا بصحته وماله صادقًا في تعامله مع نفسه والآخرين.
هذه نبذة عن مسيرة النجاح التي خاضها والتألق الذي رامه والمحبة التي جعلته يكسب كثيرًا من الأصدقاء والمحبين وهكذا كان لأن له جانبًا يخفى على الكثيرين فقد كان بارًا بوالديه، فهو البكر من الذكور، يراعى مصالحهم ويسعى لراحتهم، كان مصابهم فيه جللاً، وكأني بأبيه وقد ذرفت دموعه حيث هم في تقبيل وجهه المسجى في كفنه لتبقى تلك الدموع رسالة الرضى عنه، وكذا أمه وكأنها لا تعيش واقع الصدمة في رحيل الابن البار وهي في أشد الحاجة إليه ولكنها سنة الله تعالى في خلقه، وهي ذات اللوعة التي تسكن قلب زوجته وأبنائه فقد أقام معهم علاقة الأبوة بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى فأسرى قلوبهم واستودعوه فيها ذكرًا حسنًا ودعاءً خالصًا من القلب بأن يرحمك ربي ويغفر لك ويسكنك فسيح جناته ووالدينا والمسلمين.
آخيته أكثر من خمسة وثلاثين عامًا أقلبها داخل وجداني شريط ذكريات رحل وكان هناك الكثير مما سيحدثني به وأحادثه بأكثر من ذلك، وفي الساعات الأخيرة شاركني الفرحة -رحمه الله- بحضوره زواج ابنتي وبعدها وصلني خبر الحادث الأليم وكأنها رسالة يقول فيها: يا صديقي استودعك الله تعالى في فرحٍ جمعنا وإلى لقاء في فرح أكبر سيجمعنا بإذن الله سبحانه ورحمته ومغفرته
ولأسطر مزيدًا من الذكريات أحتاج إلى مزيد من الأقلام وأكثر من ذلك دفاتر وأوراق.
لكني أقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وإنا على فراقك يا فهد لمحزونون، والحمد لله على كل حال ومآل.
- خالد بن محمد الناصر