د. عبدالرحمن الشلاش
التدين قول وفعل، لكن حين ينفصل أحدهما عن الآخر فيصبح مظهرا أو شكلا دون سلوك وفعل واقعي يحدث الخلل والاضطراب. السلوك دون مظهر شكلي أمر مقبول كون المظهر يأتي في مرتبة أقل بمراحل من السلوك، وعندما تتجسد المظهرية في العبادات يكون الخطر أكبر، هنا يرتبط الشكل المظهري الخارجي من لحية وثوب قصير مع الأداء المظهري للعبادات، ولأنه لا يعلم بما في القلوب إلا الله فإن مثل هؤلاء لا يمكن كشف زيفهم بسهولة إلا عندما يقعون في المصيدة، لكن بعضهم يتجاوزون هذه المصائد بسهولة وبطرق وحيل شتى يلجئون إليها. لذلك وجدنا من يحلل ويحرم وفق مزاجه الخاص ثم يتراجع دون محاسبة ومن يكذب ويدلس مستخدما كافة أسلحته المظهرية وهي جواز مروره ليصل لما يريد دون رادع من دين أو حياء أو تقوى، يعيش ثراء فاحشا في المظهر لكنه فقير في المضمون رصيده من القيم الروحية مثل العفو والتسامح والود والصدق وغيرها صفر مكعب.
يعاني المجتمع من هذه النوعية من أدعياء التدين، فهم يقولون ما لا يفعلون. في سلوكهم اضطراب شديد وحالة من التضاد بين ما يعتقدونه وما يعتقده الناس عنهم،فهم يتخذون مثل هذه المظاهر لخداع خلق الله، بينما الناس يرون فيهم مظاهر التقى والصلاح الذي كان عليه السلف ومن كان سلوكهم السوي يوافق مظاهرهم الحقيقية البعيدة عن الزيف وهنا تكمن المشكلة الحقيقية في هذا النوع من التدين الشكلي المظهري في ارتداء جلباب الورع، أو أداء العبادات المجردة الخالية تماما من الخشوع والخضوع لله سبحانه و تعالى ، أو ترديد عبارات مساندة للدين مثل قولهم «أحب الصالحين ولست منهم» وما فيها من التمويه الذي قد يغطي سوءة من يرددها، على أنه يوجد من يعتنق التدين المظهري ليس لأنه يريد خداع الناس أو البحث عن مصالح من أمور الدنيا وإنما لأنه تربى على هذا النوع من التدين.
للأسف لم تفلح كل المؤسسات الدينية، وكمية المناهج الدينية في الجامعات و المدارس في تكوين شخصيات متكاملة تمارس التدين قولا وفعلا لا مظهرا فقط كما ذكرت. ظل هؤلاء -وإن كانوا قلة- يخدعون الناس حتى إذا ما جاءت مواقع التواصل كشفت عوار الكثيرين من أدعياء التدين ومن تكذب أفعالهم مظاهرهم البراقة.