د. عبد الله المعيلي
للمال شهوته، وله بريقه وسطوته، بالمال تتحقق الآمال، وبه تسعد الحال، وتنال المنزلة ورفيع المقام، والمال يكسب مفاهيم القيمة الحقة للإنسان ودوره في الحياة معان هامشية خارج الأطر ذات الدلالة على القيمة الفعلية للدور الذي يجسّد المآثر التي تثري الحياة وتنفع البشر.
وأمام هذا البريق لذوي اليسار، قد تضعف النفس، وتغيب رقابة الضمير، مما يدفع البعض إلى الاستزادة من المال بأي وسيلة ممكنة مهما كانت شرعية أم لا، متوافقة مع النظام أم متجاوزة له، حلالاً أم حراماً، المهم الاستحواذ على المال وكفى.
إنّ السواد الأعظم من الناس يخشى الله ويخافه، ولا يقبل مهما بلغت به سوء الحال أن يأكل من المال الحرام، وإن حصلت منه هفوة سرعان ما يستيقظ ضميره، ويؤوب إلى رشده، ويبادر إلى التخلص مما حصل عليه من المال بغير وجه حق، وهو على استعداد أن يتحمل شظف العيش، ومشقة الفاقة على أن يرتكب ذنباً سوف يلاحقه ألمه في الحياة الدنيا، ووزره في الحياة الآخرة.
قال ابن جرير: كنت في مكة في موسم الحج فرأيت رجلاً من خراسان ينادي ويقول: يا معشر الحجاج، فقدت كيساً فيه ألف دينار، فمن رده إليّ جزاه الله خيراً، وأعتقه من النار، وله الأجر والثواب يوم الحساب، فقام إليه شيخ من أهل مكة فقال: يا خرساني بلدنا حالتها شديدة، وأيام الحج معدودة، ومواسمه محدودة، وأبواب الكسب مسدودة، فلعل هذا المال وقع في يد مؤمن فقير، يطمع في عهد عليك لو رد المال إليك، تمنحه شيئاً يسيراً، ومالاً حلالاً.
قال الخرساني: فما مقدار حلوانه؟ كم يريد؟ قال الشيخ: يريد مائة دينار.
فلم يرض الخرساني وقال: لا أفعل، ولكني أفوّض أمره إلى الله.
عاد ابن غياث إلى منزله، نادى امرأته يا لبابة، وجدت صاحب الدنانير، ولا يريد أن يجعل لواجده شيئاً، قلت له: أعطنا منه مائة دينار، فأبى وفوّض أمره إلى الله، ماذا أفعل يا لبابة؟، إني أخاف ربي، قالت: نحن نقاسي الفقر، اشبعنا منه واكسنا، فلعل الله يغنيك ثم ترد له ماله، فقال: أآكل حراماً، لا والله لا أفعل، كرر صاحب المال مناداته، من وجد كيساً فيه ألف دينار، اتجه إليه ابن غياث، وقال يا خرساني جد على من وجد المال بشيء، رفض الخرساني الطلب، وبعد أن يئس ابن غياث قال لصاحب المال: تعال يا هذا وخذ دنانيرك، أخذ الخرساني المال وقال: يا شيخ مات أبي وترك لي ثلاثة آلاف ريال، أخرج ثلثها على أحق الناس عندك، والله ما رأيت من هو أولى بها منك، أخذ أبو غياث المال وتصدق بمائة منه.
درس فيه عبرة لذوي النفوس المهمومة بجمع المال بكل ما أمكن من أساليب وحيل، لكن أصحاب القلوب المؤمنة التي تخاف الله تأبى أن تنال من المال إلا وفق ما يتوافق مع ما أحل الله وأباح، خذوا الدرس من أبي غياث، واعلموا أن الأرزاق بيد الله، تجنبوا التعدي على الأموال العامة والخاصة، فهذا أزكى للنفوس، وأطهر للقلوب.