محمد أبا الخيل
منذ أن أفضت حروب الردة إلى عودة المرتدين لحياض دولة الإسلام، لم يتقابل جيشان من المسلمين في حرب جهادية رغم اتساع رقعة الخلافات المذهبية بين كثير من فرق المسلمين، حتى أيامنا هذه التي نعاصر كثيرا من المسلمين يقتتلون فيما بينهم في حروب كل منهم يسميها جهاد في سبيل الله، تقابل المسلمون في كثير من المواقع الحربية وقتل بعضهم بعضا ولكن كانت كل تلك الحروب لتحقيق قناعات سياسية أو حروب على السلطة والمال، وكل من المتحاربين كان يعلم أن في الطرف الآخر مسلمين لهم حق المسلم على المسلم، لذا كان المنتصرون يدفنون القتلى من المهزومين كما لو كانوا قتلاهم. ولكننا اليوم نعاصر فئة جديدة من المسلمين، فئة نسميها المتطرفين وهم في كل جانب من الخلاف المذهبي والطائفي، هؤلاء المتطرفون باتوا يحتكرون الإسلام لهم تفسيراً وممارسة، ويرون كل من يختلف معهم إما ضال أو كافر، لذا باتوا يسمِون صرعاتهم وقتلهم واعتدائهم على الآخرين من المسلمين بالجهاد الذي يستحقون فيئة أو شهادته.
هُزِمت أميركا في حربها في فيتنام مطلع السبعينات الميلادية من جماعات (الفيتكونج) المقاتلة بالدعم السوفيتي والصيني، ثم ردت أمريكا الصاع صاعين للاتحاد السوفيتي عندما دعمت المجاهدين الأفغان في دحر الجيوش السوفيتية بالعتاد والسلاح والذخائر وشجعت ويسرت تجنيد الآلاف من المجاهدين العرب والذين دبت فيهم روح (الصحوة) حين ذاك، هُزِمت أمريكا في فيتنام وتحول (الفيتكونج) لدولة وحكومة كرست جهودها في بناء المجتمع الفيتنامي ليصبح مجتمعا منتجا، فقد كانت حرب الفيتناميين حرب تحرير سياسي وطموح لبناء مجتمع نامي، أما في أفغانستان فقد تحررت البلاد من الاحتلال السوفيتي وانشغل المجاهدون بقتال بعضهم، وتعصب المجاهدون العرب كل مع فريق، وكانت خياراتهم في ذلك خيارات مذهبية ودينية، لأن حرب أفغانستان تحولت من حرب تحرير سياسي وطموح تنموي لحرب دينية، لذا لم يكتف المجاهدون بالساحة الأفغانية لحسم خلافاتهم، بل انتشروا في بلاد كانت آمنة، في الجزائر وفي الفلبين وفي الصومال وفي الشيشان وأشعلوا نار الجهاد في وجه كل من يختلف معهم، ثم ظهرت منظمة القاعدة وتلاها داعش والحشد الشعبي وأمثالها وما نتج منها من غزوات جهادية مزعومة راح ضحيتها الآلاف من الأبرياء.
وانطلقت شرارات الربيع العربي، وكانت في بداياتها مظاهرات واحتجاجات ما لبث مدعو الجهادية أن حولوها لحروب دينية بين فئة وأخرى وأصبح العالم العربي مشتعل بحروب دينية فئوية من غربه إلى شرقه في ليبيا ومصر والصومال واليمن وسوريا والعراق ولبنان، كل هذه البلدان أضحت في شقاق ونزاع ليس على مستقبلها أو توجهاتها السياسية أو تنميتها الاقتصادية، بل على من يحكمها وبأي تفسير للشريعة والإسلام، فقد استولت العقلية الجهادية على الجميع وبات كل طرف يبرر لنفسه استباحة المخالفين من مواطنيه قتلاً وتعذيباً وتشريداً وأحياناً سبياً وحرق. فأصبح المسلمون عموماً والعرب خصوصاً مختطفين بالفكر الجهادي، الفكر التبريري للقضاء على الآخر وسحق تكوينه الفكري وهزيمة كرامته بحيث يصبح مواطناً من الدرجة الثانية.
التاريخ علمنا أن الحروب السياسية وأطماع السلطة سرعان ما ينتهي تأثيرها الاجتماعي بسيادة فريق على الآخر واستقرار الأمن الاجتماعي ولكن الحرب الدينية يطول أمدها وتلتهم مقدرات الأمة وتحرق ثروتها وتهدم حضارتها وتبيد كيانها فتصبح أمة ضعيفة، فهل هذا هو مصير العرب في آخر الزمان أمة تحترب فيما بينها لخلافات فقهية أو تفسيرات لنصوص دينية أو تلبية لدعوات مهوسسة بقهر وإلغاء الآخر المختلف, أن هذا الأمر يحتاج لتمعن وإدراك من الشعوب قبل القيادات، عندها فقط يكون هناك ضوء بسيط في آخر النفق المظلم.