عبدالعزيز السماري
أصبحت مشاعر الكراهية وحالة العداء بين السنة والشيعة تسمم الأجواء في حياتنا الإجتماعية، فقد تم تجنيد الأتباع من الطرفين لترويج الكراهية والجريمة الطائفية، ولا يبدو في الأفق ملامح مشروع سلام يقضي على الفتنة الدينية على الأرض العربية، بل تزداد رحاها كلما ارتفعت أصوات رجال الدين فوق المنابر.
خلال السنوات الماضية شارك الثقافي والفني في تقديم الصراع ما بين الشيعة والسنة على أنه صراع ما بين الحسين بن علي كحفيد للرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم، وبين يزيد بن معاوية كحفيد لأبي سفيان زعيم مكة قبل عام الفتح، وفي ذلك تقزيم لماهية ذلك الصراع المرير، والذي أجاد الفقهاء في إلباسه بثوب الدين، ثم تقديمه على أنه السياسة الشرعية للإسلام.
كان الخطأ الجسيم عند الفقهاء الأوائل أن تم ربط الدين بالسياسة، ولذلك دائماً ما نسمع عن ركن الولاية الشرعية الكبرى عند الشيعة، وعن منهاج السياسة الشرعية عند أهل السنة، وكان لهذا الربط دور في أشعال الصراع في العقول بتداخل التاريخ السياسي مع جوهر الدين، ولايزال كلا الطرفين يقدم السياسة في قالب ديني متطرف.
فالأمر عند الشيعة يعود لحياة الرسول عليه أفضل الصلوات والتسليم، وأن حق الولاية الشرعية تجري فقط في عروق نسل الرسول من جهة فاطمة -رضي الله عنها-، وعالجوا مسألة الحق الشرعي في خلافة الإمام علي -رضي الله عنه- بالوصية النبوية، وتُمثل العمامة السوداء رمزاً سياسياً مقدساً لعالم الدين الشيعي من نسل علي بن أبي طالب، ويطلق عليه لقب «سيّد» أو السادة بالجمع، ويحق له أخذ الخمس، وتكون فيه المرجعية السياسية الشرعية الكبرى.
لذلك يؤمن الشيعة الأثنى عشرية أن الخميني وخامئني سادة تجري في عروقهم دم الرسول عليه الصلاة والسلام، ولهم حق إلهي في تولي الولاية، وقد يكون في ذلك تشابه بمسألة الدماء الزرقاء والمقدسة في تاريخ أوروبا، لكنها تختلف عنها بعدم وجود عامل التوريث، فالأرث السياسي في الحكم تحكمه عوامل أخرى، وتقررها مصالح المرجعية.
بينما في تاريخ السنة يختلف الأمر كثيراً، فقد تمت صياغة منهج السياسة الشرعية متأخراً بعض الشيء، وتم إدخال الأحداث التاريخية، التي شكلت مفاصل التاريخ السياسي، إلى النص الديني، فكانت الشرعية أولاً لمن يتفق عليه الناس، وثانياً قد تكون بالتوصية لمن بعده، أو ثالثاً تصبح شرعية بالغلبة السياسية، وسياسة فرض الأمر الواقع.
وتم استدعاء النصوص لفرض حالة الاستقرار السياسي المؤقت، لكن السياسة الشرعية حسب منهج السنة تفتح الباب على مصراعية لباب الخروج والغلبة، فإن تمكن متغلب جديد من الاستئثار بالحكم بقوة السيف وإراقة الدماء، تجب مبايعته وطاعته وهكذا، وهو ما يولد حالة من العنف المتوالد، وقد يفسر ذلك خروج الجماعات المتطرفة من زمن إلى آخر إلى الشارع، وذلك لفرض طاعتها الشرعية بالدم والعنف.
لذلك تكمن قضية الصراع الشيعي والسني في مسألة إدخال السياسي إلى الديني، ثم جعله ركناً من أركان الدين، فيخرج من الدين من لا يؤمن بالولاية الكبرى عند الشيعة، ويُعاقب من يخالفها بأشد العقوبات عند السنة، ومن خلال هذا الباب قد نستطيع رسم ملامح الصورة الكبرى في هذا الخلاف، وربما ندرك تبعات فتح الباب للأحزاب الدينية التي تؤمن بالولاية الكبرى في العمل السياسي في العراق، ثم محاولة أهل السنة فرض الأمر الواقع، وهكذا.
من خلال هذا الواقع المرير، قد تتضح أهمية فصل الدين عن الحياة السياسية من أجل إنهاء الصراع المزمن، وبالتالي وضع حدود للكراهية والعنف الديني المتبادل بتجريم استخدام الدين في شئون السياسة، والعمل على إقرار آلية الديموقراطية وآليات المجتمع المدني، وتقديم نماذج مدنية للعمل السياسي المدني، وذلك من أجل وقف سيطرة الملالي ومشائخ التطرف على عقول العوام، والله ولي التوفيق.