(سياتل تايمز) - أمريكا:
النسخة الكورية الشمالية المقلدة من برنامج تبادل ملفات الفيديو عبر الإنترنت «يوتيوب» بثت فيلم رسوم متحركة عن توجيه ضربة نووية إلى العاصمة الأمريكية واشنطن باستخدام صاروخ باليستي كوري شمالي. والحقيقة أن كوريا الشمالية التي أجرت أول تجربة نووية لها منذ عشر سنوات سرعان ما ستحول الفيلم الدعائي إلى تهديد حقيقي للولايات المتحدة حيث ستكون قادرة على ضرب الأراضي الأمريكية بالأسلحة النووية بفضل صواريخها بعيدة المدى المحملة برؤوس نووية.
القدرات النووية لكوريا الشمالية شهدت قفزة سواء من ناحية الكم أو الكيف. والتقديرات الأمريكية المعلنة تشير إلى أن الترسانة النووية الكورية الشمالية ستتراوح بين 20 و100 رأس نووية بحلول 2020، وبعض المسئولين الأمريكيين يعتقدون أن كوريا الشمالية نجحت بالفعل في إنتاج رؤوس نووية صغيرة يمكن تحميلها على الصواريخ الباليستية.
هذه الترسانة النووية من حيث الحجم والنوعية يمكن أن تؤدي إلى تغيير في قواعد اللعبة ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة ولكن أيضا بالنسبة للصين التي قد تتضرر مصالحها الأمنية إذا ما اضطرت الولايات المتحدة إلى الرد على تطورات الملف النووي الكوري الشمالي بحشد المزيد من القوات والأسلحة على أعتاب الصين. هذا التلاقي في المصالح بين الغرب والصين يمكن أن يوفر فضاء سياسيا لتحرك دبلوماسي منسق يستهدف تجميد القدرات النووية الكورية الشمالية عند مستواها الراهن.
الرهان على العقوبات الاقتصادية وحدها على أمل أن تؤدي إلى سقوط نظام حكم الرئيس الكوري الشمالي كيم يونج أون غير مجد. فالأيام أثبتت أن بيونج يانج صمدت أمام الضغوط الاجتماعية الناجمة عن المشكلات الاقتصادية مثل المجاعة الكبيرة التي ضربتها في التسعينيات والتي كان يمكن أن تطيح بحكومات في دول أخرى. وفي عام 2002 وبسبب الافتراض أن حكومة الرئيس الكوري الشمالي السابق كيم يونج إيل تترنح، ألغى الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت جورج بوش الابن «الاتفاق الاطاري» لعام 1994 والذي كان قد أدى إلى حل أول أزمة نووية في شبه الجزيرة الكورية في مطلع تسعينيات القرن العشرين من خلال تجميد برنامج معالجة البلوتنيوم لكوريا الشمالية. وقد لجأت كوريا الشمالية إلى طريق بديل للحصول على القنبلة النووية من خلال تخصيب اليورانيوم سرا. ولم يسقط نظام الحكم لكنه طور قنبلته النووية.
جاءت إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما إلى السلطة على أمل التواصل مع حكومة كيم يونج إيل. وبعد تبدد هذا الأمل نتيجة الاستفزازات الحدودية التي تمارسها كوريا الشمالية والتجارب النووية التي تجريها في شبه الجزيرة الكورية، تبنت الولايات المتحدة سياسة الصبر الاستراتيجي. وعندما ردت بيونج يانج على الصبر الاستراتيجي بتجربة نووية إضافية وبإطلاق المزيد من الصواريخ بعيدة المدى في وقت سابق من العام الحالي، بدأت الولايات المتحدة تعمل من خلال مجلس الأمن الدولي لإعادة فرض العقوبات على بيونج يانج. والتحول من الصبر الاستراتيجي إلى العقوبات أسفر عن رضوخ ضمني للطموحات النووية لكوريا الشمالية.
في الوقت نفسه فإن الصين لن تسمح للعقوبات الدولية بتعريض حكومة الرئيس الكوري الشمالي الحالي كيم يونج أون لخطر الانهيار خوفا من أن يؤدي إلى ذلك إلى تدفق موجات من اللاجئين إلى شمال الصين وجعل شبه الجزيرة الكورية كيانا موحدا حليفا للولايات المتحدة. وقد قال الرئيس الصيني شي جينبينج مؤخرا «لن نسمح أبدا بأن تعم الفوضى شبه الجزيرة الكورية». ولكن على بكين الآن أن تدرس الخطر الذي يمكن أن يسببه تنامي القوة النووية لكوريا الشمالية ودفع الولايات المتحدة إلى نشر أحدث أنظمة الدفاع الصاروخي المضاد للصواريخ لديها في كوريا الجنوبية.
إذن فالعمل مع الولايات المتحدة من أجل تجميد البرنامج النووي لبيونج يانج عند مستواه الراهن يمكن أن يكون أفضل نتيجة ممكنة سواء بالنسبة لبكين أو لواشنطن. الصين قد لا تستطيع إخضاع كوريا الشمالية بالكامل، لكنها تستطيع التأثير على قراراتها وتحركاتها. كما أن تجميد البرنامج النووي الكوري الشمالية سيؤكد الدور الريادي الإقليمي المسئول للصين في المنطقة. ثم أن مثل هذا السيناريو سيؤدي إلى استقرار شبه الجزيرة الكورية المقسمة بين الشمال والجنوب وهو ما سيعطي الصين نطاقا عازلا لها عن حلفاء أمريكا في منطقة المحيط الهادئ ويتيح للقيادة الصينية التركيز على التحديات الاجتماعية والاقتصادية التي تواجه البلاد.
الوقت مناسب تماما لإشراك الصين في جهود تجميد البرنامج النووي الكوري الشمالي. والاهتمام الدبلوماسي الكامل من القوتين العظميين أمريكا والصين، مع العقوبات التي يمكن فرضها على كوريا الشمالية حتى لو لم تؤد إلى شلها تماما، يمكن أن تكفي لدفع كيم إلى التفاوض حول تجميد البرنامج النووي.
إحياء التحرك الدبلوماسي مع كوريا الشمالية ينطوي في الوقت نفسه على عقبات. فبيونج يانج اعتادت انتهاك الاتفاقيات السابقة، كما أن أي تنازلات أمريكية، سيصورها خصوم الإدارة الأمريكية باعتبارها دعم لنظام حكم مارق. وبالتأكيد سيبيع كيم يونج أون الاتفاق محليا بالادعاء أن القيادة القوية للبلاد أجبرت الغرب على تغيير مطالبه من كوريا الشمالية. ورغم هذه الآفاق القاتمة، فإن الدبلوماسية المشتركة مع الصين تظل أفضل استراتيجية للولايات المتحدة. كما هو الحال في الاتفاق النووي مع إيران، والتي لعبت فيه الصين وروسيا دورا بناء، فإن الهدف يجب أن يكون شراء المزيد من الوقت ومنع الموقف المتدهور من أن يصبح أشد سوءا. تجميد القدرات النووية الكورية الشمالية هو حل غير كاف ومؤقت لكنه سيمنع خطرا أكبر وهو تطوير كوريا الشمالية لقدرات نووية جديدة تستطيع الوصول إلى الولايات المتحدة. كما أن البديل لهذا الحل هو الرفض المبدئي للتفاوض مع الأمل الكاذب في أن تؤدي العقوبات والصبر إلى سقوط نظام كيم يونج أون، وهو ما سيؤدي بالتأكيد إلى الظهور الكامل لكوريا الشمالية كدولة نووية تعشق الحروب.
روبرت ليتفاك وروبرت دالي - مرفق صورة كارتونية