أكد صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبدالعزيز رئيس الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني أن(برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة) ويساهم في تعزيز المكانة التاريخية للمملكة على المستوى الدولي، وإبراز دورها المحوري في تقدم الحضارة البشرية، ويحافظ على التراث الثقافي الوطني ويعمل على تعزيزه وتطويره من خلال رفع مستوى الوعي بأهمية التراث الثقافي باعتباره جزءاً لا يتجزأ من الحياة اليومية للمواطنين.
وأشار سموه في المحاضرة التي ألقاها الأسبوع الماضي في الأكاديمية الفرنسية للنقوش والآداب إلى أن الدولة السعودية أصدرت عدداً من القرارات لمساعدة الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني في القيام بدورها وتحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، وقد توجت هذه القرارات باعتماد (برنامج خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة) في شهر مايو 2014م، ثم تم تأكيده من قبل خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز - حفظه الله - في سبتمبر 2015م، باعتباره مشروعاً تاريخياً وطنياً مهماً يعكس التطور في برامج ومشاريع التراث في المملكة العربية السعودية. ويغطي عدة مسارات من المشاريع الوطنية مثل: الآثار والمتاحف والتراث العمراني والحرف والصناعات اليدوية، والتوعية والتعريف بالتراث الثقافي، وتطوير مواقع التراث العمراني والأثري وجعل التراث الحضاري جزءًا معاشاً من حياة الأجيال، ومساراً مهماً في الاقتصاد الوطني، بالإضافة إلى مجالات أخرى تتعلق بالتراث غير المادي، حيث يعمل برنامج خادم الحرمين الشريفين على تعزيز مكانة المملكة محلياً ودولياً، ويوفر موارد اقتصادية متجددة، ستؤدي إلى زيادة فرص العمل للمواطنين في جميع أنحاء المملكة، وتدعم مشاريع التنمية الوطنية المتوازنة، ويساهم في تعزيز الأمن الوطني بمفهومه العام من خلال تعزيز اللحمة الوطنية والشعور بالانتماء، ويحقق التحول المنشود في حماية التراث الثقافي الوطني من خلال ربطه بصناعة السياحة المستدامة، وبالتالي المساهمة في التنمية الاقتصادية الشاملة، وبناء وعي وطني يؤمن بقيمة التراث الثقافي ويحافظ عليه ويستفيد منه.
وأبان أن أهداف هذا البرنامج الذي يشمل (230) مشروعاً تتمل في: حماية وتجهيز مواقع التاريخ الإسلامي في المملكة وخاصة في مكة المكرمة والمدينة المنورة، نظراً لأهميتها الدينية والثقافية ومكانتها في تجسيد تاريخ وحضارة المسلمين في جميع أنحاء العالم، وقد تم تخصيص برنامج للعناية بمواقع التاريخ الإسلامي، من خلال رعاية وتطوير تلك المواقع الإسلامية لتصبح حقيقة واقعة يستلهم منها المسلمون أعظم المعاني والقيم العليا. ونحن نؤكد أن رعاية هذه المواقع وفتحها بعد تجهيزها للزوار سيسهم بحول الله في تعزيز المعرفة ببدايات الإسلام بشكل خاص، وبالتاريخ الإسلامي بشكل عام، وتزويد الباحثين والطلاب بالمعلومات المستمدة من المواد العلمية والتاريخية الموثوقة، على أن المملكة العربية السعودية تعد متحفاً إسلامياً مفتوحاً.
وإعادة تأهيل القصور والمباني التاريخية للدولة في عهد الملك عبد العزيز -رحمه الله- وتحويلها إلى مراكز ثقافية من شأنها أن تعكس مراحل وتاريخ الوحدة الوطنية ومدى ارتباط هذه المواقع بالملاحم والتضحيات التي قدمها المواطنون المخلصون من أبناء المملكة العربية السعودية في تأسيس البلاد بقيادة الملك عبد العزيز -رحمه الله-، ونضالهم لتحقيق الوحدة الوطنية، وتعزيز معرفة المواطنين - وخاصة الشباب - بوطنهم وتأسيسه وملحمة توحيده.
وتوسيع نطاق مشاريع المسح والتنقيب عن الآثار بالتعاون مع البعثات المحلية والدولية، لاكتشاف الكنوز الأثرية في مراحل تاريخية مختلفة، وفهم تاريخ تعاقب الحضارات الإنسانية على أرض الجزيرة العربية.
وحماية التراث الثقافي الوطني والمحافظة عليه وتسليط الضوء على مكوناته، على الصعيدين الوطني والدولي واستعادة القطع الأثرية المفقودة من داخل المملكة وخارجها، من خلال برنامج استعادة الآثار الوطنية الذي أطلقته الهيئة بالتنسيق والتعاون مع وزارة الداخلية، وزارة الخارجية، وزارة المالية (الجمارك السعودية)، وزارة التجارة والصناعة، هيئة التحقيق والادعاء العام، مؤسسة التراث، أرامكو السعودية، مؤسسة الملك عبدالعزيز، والبريد السعودي، وقد تمكنت الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني من استعادة أكثر من (17) ألف قطعة أثرية من داخل المملكة، وأكثر من (30) ألف قطعة أثرية من الخارج مضى على اختفاء بعضها أكثر من (50) عاماً.
والاستفادة من المواقع الأثرية والطرق والمواقع التاريخية وإعادة تأهيلها وتوظيفها ضمن خطط التنمية الشاملة.
وإنشاء وتطوير وتشغيل المتاحف في الأقاليم والمحافظات في جميع مناطق المملكة، وتعمل الهيئة حالياً على إنشاء (5) متاحف إقليمية جديدة، وتطوير (6) متاحف قائمة، وتأهيل (15) مبنىً تاريخياً من مباني الدولة لتحويلها إلى متاحف ومراكز ثقافية في مدن المملكة.
وتفعيل نشاط التعاون الدولي بين المتحف الوطني بالرياض والمتاحف العالمية المشهورة من خلال اتفاقيات تعاون تحت مظلة الاتفاقيات الثنائية بين المملكة والدول التي توجد بها هذه المتاحف، ومنها متحف اللوفر بفرنسا، ومتحف المتروبوليتان بأمريكا، والمتحف البريطاني، ومتحف البرغمن بألمانيا، ومتحف الارميتاج بروسيا، وكذلك التعاون مع متاحف أخرى لم تُبرم معها اتفاقيات مثل: متحف هيوستن، وكانسس سيتي، وسان فرانسسكو، وذلك في مجالات المعارض المتبادلة، وتبادل الخبرات والتدريب وتأهيل الكوادر، وزيارات استطلاع الخبرة، والدراسات والبحوث، وبرامج الخبراء الزائرين، وتبادل الموظفين.
وتطوير القرى التراثية والأحياء التاريخية والأسواق التراثية بالتعاون مع الجهات المعنية من القطاعين الحكومي والخاص، وقد بدأت الهيئة برنامج إعادة تأهيل وتطوير القرى والبلدات التراثية بتطوير (7) مواقع، وبدأت برنامج تحسين مراكز المدن التاريخية بتطوير (8) مراكز، وبدأت برنامج تأهيل وتطوير الأسواق الشعبية بتطوير (8) أسواق.
والحفاظ على التراث العمراني وحمايته وتصنيفه وتطويره وإعادة تأهيله، والاستفادة منه سياحياً وثقافياً واقتصادياً، وإنشاء قواعد المعلومات المتصلة بذلك، وقد اهتمت الهيئة بهذا الجانب منذ تأسيسها عام 2000م، وبناءً على قرار مجلس وزراء سياحة منظمة المؤتمر الإسلامي في دورته الثالثة المنعقدة بالرياض في أكتوبر 2002م، دعت المملكة العربية السعودية إلى إعداد مشروع ميثاق للتراث العمراني في الدول الإسلامية للنظر فيه من قبل المجلس، وقد أعدت الهيئة هذا الميثاق، وتم إقراره في الدورة الرابعة لوزراء السياحة في دول منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقدة في السنغال عام 2005م، ووزع على الدول الأعضاء؛ لتفعيله. كما نظمت الهيئة العديد من الندوات والمؤتمرات المتعلقة بالتراث العمراني من أبرزها المؤتمر الدولي للتراث العمراني في الدول الإسلامية الذي أقيم في مايو 2010م تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين، وملتقى التراث العمراني الوطني الذي يقام سنوياً في إحدى مناطق المملكة، بالإضافة إلى المشاركة المستمرة في الفعاليات الدولية ذات العلاقة بالتراث العمراني.
وتطوير الحرف والصناعات اليدوية بما يسهم في جعلها مصدر اعتزاز، وفي متناول الجميع، وتنميتها والمحافظة عليها، وتحويلها إلى مسار اقتصادي أساسي على المستوى الوطني ما يوفر المزيد من فرص العمل للمواطنين وخاصة الشباب منهم.
وأكد سموه أن المشاريع المتعلقة بمواقع التاريخ الإسلامي تعتبر من أهم مسارات «مشروع خادم الحرمين الشريفين للعناية بالتراث الحضاري للمملكة»، حيث تبدي المملكة العربية السعودية اهتماماً بالغاً بمواقع التاريخ الإسلامي والحفاظ عليها، ويؤكد ذلك صدور الأمر الملكي الكريم عام 2008مـ، والذي ينص على منع التعدي على مواقع التاريخ الإسلامي في مكة المكرمة والمدينة المنورة، وتكليف الهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني بحصر كامل لتلك المواقع، ووقف جميع أنواع التعديات عليها؛ ونتج عن المسح الميداني لمواقع التاريخ الإسلامي حصر (384) موقعاً في المنطقتين، منها (266) موقعاً في المدينة المنورة، و(118) موقعاً في مكة المكرمة.
وأكد سموه حرص الهيئة على الاسترشاد برأي علماء الدين والتشاور معهم في هذا البرنامج وغيره من أنشطة وجهود الهيئة، مسجلا شكره لهيئة كبار العلماء برئاسة سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ على التعاون الكبير في كل مجالات عمل هيئة السياحة والتراث الوطني والتي التزمت بالعمل في ضوء مشورة العلماء الأفاضل وفق منهج الدولة الراسخ واستفادت من ذلك كثيراً في مجالات الآثار والتراث الوطني بما يساعد على حفظ هذا الإرث العظيم بما يؤدي إلى تعزيز فهمنا لتاريخنا الحضاري وربطه بالإسلام العظيم الذي بات مصدر عزنا وأعلى فخرنا.