* في يوم الخميس الرابع من شهر رمضان المبارك انتقل إلى رحمة الله تعالى في لندن معالي الدكتور سليمان بن عبد العزيز السليم وكان النبأ مفجعاً للجميع، لعائلته الكريمة والأقارب والأصدقاء والمحبين خصوصاً من عرفوه عن قرب وعملوا معه كوزير للتجارة نحو عشرين عاماً وفي المالية (وإن كانت قصيرة نسبياً).
* لقد عرفت معاليه عن قرب وعملت تحت إدارته بوزارة التجارة مدة خمسة أعوام 1400-1405هـ (كمدير عام للتموين) وتعلمت عملياً منه أشياء كثيرة في الإدارة العملية وبأن الإدارة (فن وعلم) كان بسيطاً ومتواضعاً من غير ضعف ويتعامل مع الجميع تعاملاً راقياً وابتسامته لا تفارق محياه.
لقد تولى (في ذلك الوقت) إدارة أزمة التموين بكل ثقة وجدارة حتى أوصلها إلى بر الأمان وتوازن العرض والطلب لاستقرار الأسعار في السوق المحلية وهي فترة تميزت (بعد الطفرة الأولى) أو لنسمها (انطلاقة اقتصادنا الأولى) بأن الدولة قررت للخروج من ارتفاع الأسعار بأن تقنن استيراد المواد التموينية وتسعرها وتدفع إعانات عليها بعد الحصول على التراخيص اللازمة لاستيراد المواد التموينية كالسكر والأرز والزيوت وكذلك الأعلاف وكانت الدولة نتيجة ذلك تدفع إعانات بالمليارات.
* قامت الوزارة بإشراف وتوجيه معاليه بوضع خطة محكمة لوفرة السلع التموينية بالداخل ومتابعة الأسعار الدولية ومتابعة مخزون السلع الأساسية وما هو بالطرق، وكان معاليه يتولى شخصياً متابعة المستوردين. وكانت تُعد لمعاليه من الإدارة العامة للتموين تقارير شهرية بناء على تقارير أسبوعية من كافة فروع التجارة بالمملكة وكذلك متابعة الواردات من الجمارك والموانئ طوال العام خصوصاً المواسم مثل رمضان والحج.
* كانت تراخيص الاستيراد لضبط توازن المعروض من السلع مع الطلب وكذلك مبالغ الإعانات لأن الهدف هو توفر السلع الغذائية بأسعار معقولة للمواطنين. أذكر أن أحد كبار التجار (رحمه الله) كانت لا ترضيه الكميات المخصصة له لاستيرادها من الأرز والسكر والشعير وهي بين 10-20 ألف طن ويرغب في فتح الاستيراد له بمئات الآلاف من الأطنان، إلا أن السياسة العادلة لمعالي الدكتور سليمان - رحمه الله - كانت لا تميز بين التجار وكان الهدف هو توفير حاجة السوق وبأسعار محددة. أذكر في إحدى السنوات أن إحدى الشركات المساهمة وهي خاسرة (وقتها) وزعت مكافأة لأعضاء مجلس الإدارة بالملايين، إلا أنه ألغاها وطلبوا مقابلته ورفض إلا بعد أن يعيدوا المبالغ المصروفة للشركة.
* أسلوب معاليه الإداري بسيط جداً (الإدارة بالحب) وهو أسلوب قليل من المسئولين يعتمده لا مع موظفيه ولا مع مستفيدي جهته. انضباطه في العمل ويعطي الصلاحيات الكاملة ويشرف على التنفيذ والأداء. كانت المعاملات (الميتة) وهي معاملات ما يُسمى معاملات (المفاهمة) وهي نادرة جداً وإن حصلت فهي مع الشخص المسئول مباشرة. وأذكر أن المفاهمة هذه تكون في نفس اليوم، بما في ذلك التراخيص وإعدادها وتوقيعها وإصدارها بنفس اليوم وللجميع، بينما هذه المعاملات الميتة قد تأخذ نحو شهر للمفاهمة عليها مع بعض المسئولين في جهات أخرى. يحرص على عدم إشغال المسئولين بأكثر من الوقت المحدد لهم. يمتاز سطح مكتبه بأنه نظيف جداً وبدون معاملات متراكمة لأنه (لا يؤخر عمل اليوم إلى الغد).
* من تواضع معاليه خلال السفر في إحدى الدول لحضور مؤتمر دولي (الأونكتاد) ورئاسته الوفد السعودي كان يجلس مع بعض أعضاء الوفد (حتى من الوزارات الأخرى) في لوبي الفندق ويناقش معهم مواضيع خاصة بالمؤتمر حتى إن أحد موظفي الجهات الحكومية اندهش من هذه البساطة والتواضع.
* لقد كان معاليه يهتم بإنجاز العمل ولا يحب التحدث وقليل الاتصال بالإعلام ليس مقاطعة ولكن لا يحب (الفرقعات الإعلامية) كما نشاهد من بعض المسئولين الذين تخرج صورهم وأخبارهم يومياً لغرض الشهرة وهو ممن لا يسعون لها. لكن لديه أسلوباً فريداً في التواصل الإعلامي والإقناع حتى في كتاباته رغم قلتها إلا أنها تعتمد على أسلوب (السهل الممتنع). ولا أنسى ساعده الأيمن سعادة د.عبد الرحمن الزامل والمعروف بوطنيته وجرأته ومتابعة الأعمال ذات العلاقة بالعمل التجاري بشكل عام.
* وأخيراً وليس آخِراً أتمنى أن يتولى أحد الكتّاب إصدار كتاب عن سيرة معاليه لأنه مدرسة في الإدارة وفي النزاهة والحرص على المصلحة العامة.
* نسأل الله تعالى أن يكون أبو باسل ممن أنعم الله عليهم وأن يجعله في عليين مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً.
عزاؤنا لعائلته الكريمة وعائلتي الزامل والسليم.
{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}.
- محمد بن علي بن عبد الله المسلّم