إن أعظم النصوص الإبداعية هي تلك النصوص التي هربت من النسق الثقافي السائد بكل مكوناته المسيطرة على النصوص من الناحية الاجتماعية واللغوية والفنية إلى نسق جديد، قد يشكل فيما بعد ثقافة جديدة، تتحول إلى نسق ثقافي أدبي، فيعود من كان يمقته بالأمس ليكتب في سياقه أو على أقل تقدير يستحسنه من بعد ذلك الرفض والنقد.
إن التبعية التي شكّلها المهووسون بالسيادة في الدين أو الثقافة أو المجتمع قد شكلت جبلاً ثقافياً مسيطراً على النصوص بشكل لا يتزعزع، حتى أصبح التفكير وفق أنموذج معين، والكتابة وفق نماذج لا تحيد عنها قيد أنملة، فصار الطرح متشابهاً والنصوص كأن لها كاتباً واحداً بمعرفات متعددة وهويات متبدلة. بل أن النقاد أنفسهم، صاروا ينتقدون وفق نسقية معينة تحلل انتقاد شخص دون آخر وطرح دون آخر. فصار الكثير من الكُتّاب يسيرون وفق نسق العبودية، ويشعرون أن الخروج عن تلك النماذج وتقديم فكرة جديدة بأسلوب جديد سوف يجعلهم محل سخرية النقاد والجلد بسياط أقلامهم التي لا ترحم!
إن الجرأة في الطرح والهرب من النسق العبودي التبعي الذي جعل كل النصوص تسير وفق نمطية محددة، هي العنصر الجاذب في النص، وأنا هنا لا أتحدث عن شذوذ النص عن القاعدة، لأن القاعدة متسعة ومتعددة لأكثر من نموذج، ومستعدة لاستقطاب الآلاف من النماذج الجديدة، إنما أتحدث عن الخروج من تبعية الحرف والسياق إلى ملامسة الأمور الأكثر حساسية وجرأة والإشارة إليها وطرحها في ساحة الجدل والنقاش. وهنا تكمن حلاوة الطرح وقوته وجزالته وجرأته. بعيداً عن تلك النصوص التي تجاور الحمى وتدور حولها ولا تغوص فيها. وتلك الحروف التي تتحدث طويلاً ولا تتحدث. تنطق في صمت. فمن رأيي الشخصي المتواضع أن تلك لعبة ساذجة جداً، حين أسير وفق نمط معين من الكتابة، وحين أحتاج المشاركة والخروج عن ذلك النمط فلا أخرج بشكل كامل، بل أكتب على الحدود الشفافة التي يمكن لها أن تخدم كلا الجهتين، فذلك يعد غموضاً غير محبب والغموض الجميل لا يكمن إلا في قطعة نص أدبي فقط! في أول تعليق على مقالي السابق المنشور في هذه الصحيفة تحت عنوان «عن تهجير الأقلام السعودية!» قال: (إن النص المتزن الذي يسير في نمطية المحدد ولا يطرق أبواباً حساسة فإنه سوف يفسح ويُنشر دون الحاجة لتكبد عناء البحث عن الدور الخارجية.) خالفته فيما ذهب إليه وقلت إن الإشارة إلى كل تلك القضايا الحساسة سواء الفكرية أو الدينية أو الاجتماعية أو الثقافية تعد أسلوباً من أساليب العلاج، فالخطوة الأولى في علاج أي قضية أو مشكلة أو حتى مرض، هي الإشارة له بواقعية والاعتراف بوجوده، ثم تأتي المرحلة الثانية والتي تختص في إيجاد الحلول والوسائل للخلاص من تلك المشكلة. لذلك فإن طرق الأبواب الحساسة لا يعد بالضرورة خروجاً عن النص والنسقية السائدة في الكتابة بقدرة ما يعتبر هروباً للحقيقة والاعتراف بوجود مشكلة ما وذلك تمهيداً لعلاجها.
قال: إن الأفكار تبقى جميلة طالما ظلت أفكاراً. لكن الحديث عنها قد يثير جدلاً ويشوه صورة المجتمع. قلت: ولكن الفكرة التي لا تطير بالنص المتعلق في أطرافه مئات القضايا، فتهرب به خارج حدود النسق، فهي فكرة بلا قيمة!
- عادل الدوسري