كتب - علي المفضي:
قد تكون السعادة في متناول أيدينا ونجهل أنها كذلك، وقد نقضي العمر نتحسر على حياتنا التي لم تظللها السعادة وتقيها شمس الشقاء ونعيش في حالة من البؤس والألم، فمنا من يظن أن السعادة الحقيقية في ما لا يمتلكه من مال أو جاه أو شهرة أن سعادتنا ربما كانت بذلك متناسين أن ميزان خالقنا جل وعلا ميزان دقيق عادل لا يبخس أحداً ولكن المشكلة الحقيقية في أنفسنا المتشائمة التي تنظر إلى النصف الفارغ من كأس الحياة الذي ربما لو نظرنا ذلك الفراغ بإيجابية أدركنا أننا بخير.
صحيح أن المال والجاه والأولاد والأملاك مظهر مهم من مظاهر السعادة إلا أنها مجتمعة قد لا تحققها. إذاً ما هي السعادة، يقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (ليس الغنى عن كثرة العرض، إنما الغنى غنى النفس)، صدق رسول الله، فغنى النفس والقناعة واليقين هي السعادة المنشودة فبدونها لا راحة وإن كثر المال وتحققت مظاهر السعادة.
يقول الشاعر الحطيئة:
ولست أرى السّعادة جمع مالٍ
ولكنّ التقيّ هو السّعيدُ
وتقوى الله خير الزّاد ذخراً
وعند الله للأتقى مزيدُ
وما لا بدّ أن يأتي قريب
ولكنّ الذي يمضي بعيد
ويقول الشاعر أبو القاسم الشابي إن عدم وجود السعادة والسعي إلى تحقيقها هي السعادة:
تَرجُو السَّعادة يا قلبي ولو وُجِدَتْ
في الكون لم يشتعلْ حُزنٌ ولا أَلَمُ
ولا استحالت حياة الناس أجمعها
وزُلزلتْ هاتِهِ الأكوانُ والنُّظمُ
فما السَّعادة في الدُّنيا سوى حُلُمٍ
ناءٍ تُضَحِّي له أيَّامَهَا الأُمَمُ
ناجت به النّاسَ أوهامٌ معربدة
لمَّا تغَشَّتْهُمُ الأَحْلاَمُ والظُّلَمُ
أما الشاعر عبد الله البردوني فأخذ المسألة من زاوية أخرى أكبر وأشمل وأعمق حيث اعتبر أن سعادة البشرية أجمعها كانت برسول الله -صلى الله عليه وسلم- ورسالته العظيمة:
بزغت تباشير السعادة والهدى
بيضا كطهر الحبّ في الوجدان
وأهلّ من أفق الغيوب على الدنى
فجران فجر هدى وفجر حنان
يا فرحة العليا أهلّ محمد
وعليه سيما المجد كالعنوان
ولأن لكل إنسان وجهة نظر خاصة وجانب يحس أن السعادة قد تكتمل من خلاله، يقول الشاعر الأمير خالد الفيصل:
كيف راحت يابو تركي حياتي شقاوي
وين درب السعادة والحياة الهنيّة
وأما الشاعر أحمد الناصر الشايع فيرى أنها حظ لا سبيل إلى تحقيقه بالبحث عنه وإجهاد النفس في سبيله:
السعادة حظ والا العرف والمعنى شطارة
لو رضاك بعيد أسافر له على النقل الجماعي
وقد ينقضي عمر المرء وهو في حالة غربة عن مكان سعادته كما قال الشاعر متعب التركي:
بيني وبين ضحكات السعادة نزاع
كني اللي قضى عمره طريدٍ جلاوي
وقد يكون لدى أحدنا أمل ما يتمنى تحققه كحال الشاعر خلف الكريّع:
يا مستحيل الأمل في عمري البالي
وش بك نفيت السعادة عن حواريّي
أما أنا فإنني أرى (أن السعادة هي النظر بعين العدل إلى ما نملك).