عبد الرحمن بن محمد السدحان
* كتبتُ قبل حين من الدهر مقَالاً أدعو فيه إلى ممارسة فضيلة الصَّدقات ودفْعِها لمنْ هم أهل لها، سواء في هذا الشهر الكريم أو في سواه من الأوقات، وركزتُ في ندائي بوجْهٍ خاص على تكْريسِ الاهتمَامِ بـ (فُقَراءِ الداخل) من أهلِ هذه الأرض الطيبةِ، فهُمْ أوْلى بالبِرّ من سِوَاهم، ولستُ بهذه الدعوة أُنكِرُ على مَنْ تجاوز حُدَودَ البلاد بِبِرّه، ولَكنني أتمنى أن تكون (الأولوية) لفقراء بلادنا ، خاصةً أولئك الذين لا يسْأُلونَ النّاسَ إلحَافاً ، ومن يحْسَبُهم النّاسُ أغْنِياءَ من التَّعفُّفِ، فَلأُولئِك وهؤلاء حقٌ من البِرّ تُقالُ به عثْرةُ السّائلِ منهم والمحْرُوم، وكلُّ ذلك جَزَاؤُه عند الله عَظيمٌ !
**
* اليوم، أُعيدُ الكرّة داعياً فاعلي البرِّ ومحبَّيه لمنْح فُقَراءِ بَِلادنا أوْلويّاتِ البَذْلِ زكاةً أو صَدقةً أو هِبَةً في سبيل الله، مُنطِلقاً من الاعتبارات التالية :
* أولاً : إن هناكَ شرَائِحَ فـي مجتمعنا السعودي تُعاني من أعراض العَوْز والفقر، مسْكَناً وملْبَساً وعِلاَجاً وإعاشةً، فهي أوْلى من غيرِها ببِرَّ أهلِ البرّ، إنفاقاً وبَذْلاً !
**
* ثانياً : إذا كُنّا قد اعترفْنَا رسمياً وشعبياً، بأكثر من وسيلة، أن (الفَقْرَ) في بلادنا باتَ قضيةً إنسانيةً ملحّةً لا يمكن تَجاهُلهَا ولا التَّسَاهُلُ في التَّعامُل معَها، فإنّه لابد تَبعاً لذلك من التَّصدَّى لها بكل السُّبُل ، مُذكراً في الوقت نفسه بأنّ الدولةَ أيّدها الله ليَستْ المسؤولةَ وحْدَها عن مكَافَحِة الفَقْر، لكنّ للمواطنِ القادرِ دوراً مهماً وملحّاً في البذل، زكاةً أو صدقةً أو تَبرُّعاً !
**
* ثالثاً : علّمتْنا التَّجربةُ فـي أكثرَ من منَاسبة وأكثرَ من مكان أن (طفيْليّات) الإِرهَابِ حيثُما كانَتْ (تتَغَذَّى) أحيَاناً من (جَدَاولِ البِرّ) حين ينْحرفُ مسَارُها عَبْر دهَاليز النُّفوسِ المريضَةِ أو الموْتُورةِ لتَصُبَّ في جيُوبِ وبطُونِ مَنْ لا يسْتحقُّون جُوداً ولا عطْفاً ولا بِرّاً، بل قد يسْتثْمرُونَها في (تَمْويلِ) آلةِ الإَرهَابِ وآلياتِه، لنصْلىَ في هذه البلاد وأجْزاء أخرْى من العالم ناراً من الإرهاب تلظَّى .. ثم نَكتْشفُ بعد حين أن للبِرَّ بابيْن : ظاهرُ أحدِهُما الرحمةُ، وباطنُه العذابُ !
**
* رابعاً : السُّيُولةُ النّقديةُ عنْصرٌ ناضبٌ، ولذا أتمَنَّى أن يَقْرِنَ أهلُ البِرّ من الأثرياء مسَاعدتَهم النّقْدية بإقَامةِ مشروعاتٍ عينيةٍ وجعْلِها وقْفاً لمصْلحِة الفُقَراءِ، مثل المجمَّعاتِ السَّكنيّةِ وحَفْرِ الآبار، ومكَافَحِة وعِلاَج الإِعَاقَةِ، وتَقْديمِ الآليّاتِ والبُذُور الزَّراعيةِ، ودعْمِ جهُودِ التَّدريبِ والتأْهيلِ للأعْمَالِ الفَنَّيةِ والمهَنِيّةِ التي يمكن أن تُطْعِمَ أصْحابَها خُبْزاًً حَلاَلاً .. ومثل هذه المشْروعاتُ الوقْفِيّة تَضْمنُ للمُسْتفيدِين منها من فُقَرائِنا ديْمُومَةَ الإِيرادِ، وتَحفَظُ لهم مَاء الوَجْه، وتُنمي ثقتهم في الله أولاً ثم النّفسِ والوطنِ !
**
وبعد ..
* إذا كنّا حكومةً وشعباً، نقرّ بأن في بيتنا (غولاً) اسمه الفقر، تعاني أعراضَه شريحةٌ غاليةٌ من أهلنا في الشمال والجنوب والشرق والغرب، فإن أريحية أهل البرّ في بلادنا مدعوة وبقوة لمضاعفة مشاركتها في اقتلاع هذا الغول الخبيث من بيتنا، فأهلنا أوْلى بخيرنا .. ثم أوْلى !!