حيث تتمثل الجرائم في الغالب من وقائع مادية، لذا فإن شهادة الشهود هي أكثر طرق الإثبات استخداماً في مجال القانون الجنائي وقد تكون أهم الأدلة التي تعتمد عليها المحكمة في إدانة المتهم أو تبرئته، لذا يبذل الجاني جهوداً كبيرة في اخفاء الحقائق حيث قد يقوم بتهديد الشهود أو ترغيبهم أو إيذائهم للضغط عليهم لغرض ثنيهم عن أداء الشهادة أو تقديمها بشكل مناف للحقيقة، وقد يصل الأمر إلى أبعد من ذلك حيث يقوم الجاني بقتل الشاهد للقضاء على دليل الإدانة.
وحيث إن إقامة العدل هدف سامي يؤكد عليه الدين الإسلامي، وبما أن الشاهد يخدم العدالة بمساعدته القضاء على أداء واجبه، لذا تجب حمايته خصوصاً إذا كانت شهادته متعلقة بإثبات الجرائم الجسيمة (كالإرهاب والاتجار بالمخدرات وغسيل الأموال والفساد والقتل...). كما يجب أن تمتد الحماية للمبّلغ الذي يساهم في كشف الجريمة لتشجيعه على التبليغ والخبير الذي تستعين به المحكمة لإيضاح أمور غامضة في ملابسات الجريمة كما يجب أن تشمل الحماية أقارب هؤلاء.
يقصد بالحماية على سبيل المثال توفير الحماية لهم في محل إقامتهم وعدم إفشاء أي معلومات يمكن بواسطتها التعرف عليهم (الاسم والعنوان...) وأن تقدم الشهادة أمام المحكمة من وراء ساتر لضمان عدم التعرف عليهم أو تمنع المحكمة الجمهور من حضور المحاكمة كلها أو جزء منها أو تمنع وسائل الإعلام من حضور المحاكمة أو تمنعهم من التصوير.
رغم أن نظام جرائم الإرهاب وتمويله (1435) أشار في المادة الثانية عشرة ودون تفصيل إلى استحقاق الشاهد والخبير إلى الحماية إلا أن نظام الأجراءات الجزائية والمطبق على جميع الجرائم بما فيها جرائم الإرهاب لم يتطرق إلى الحماية القانونية للمبلغين والشهود والخبراء لذا فإنه يجب إصدار نظام يقرر الحماية وكيفيتها، علماً بأن ذلك يأتي تنفيذاً لما يمليه التزام المملكة الخاص باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد المصادق عليها بالمرسوم الملكي الكريم رقم (م/5) وتاريخ 11-3-1434هـ والذي ينص في مادته الثانية والثلاثون على أن:
«- تتخذ كل دولة طرف تدابير مناسبة وفقاً لنظامها القانوني الداخلي، وضمن حدود إمكانيتها، لتوفير حماية فعالة للشهود والخبراء الذين يدلون بشهادة تتعلق بأفعال مجرمة وفقاً لهذه الاتفاقية وكذلك لأقاربهم وسائر الأشخاص الوثيقي الصلة بهم عند الاقتضاء، من أي انتقام أوترهيب محتمل.
- يجوز أن تشمل التدابير المتوخاة في الفقرة 1 من هذه المادة، ودون مساس بحقوق المدعى عليه، بما في ذلك حقه في محاكمةحسب الأصول:
- إرساء إجراءات لتوفير الحماية الجسدية لأولئك الأشخاص، كالقيام مثلاً، بالقدر اللازم والممكن عملياً، بتغيير أماكن إقامتهم والسماح، عند الاقتضاء، بعدم إفشاء المعلومات المتعلقة بهويتهم وأماكن تواجدهم أو بفرض قيود على إفشائها.
- توفير قواعد خاصة بالأدلة تتيح للشهود والخبراء أن يدلوا بأقوالهم على نحو يكفل سلامة أولئك الأشخاص،كالسماح مثلاً بالإدلاء بالشهادة باستخدام تكنولوجيا الاتصالات، مثل وصلات الفيديو أوغيرها من الوسائل الملائمة.
- تنظر الدول الأطراف في إبرام اتفاقات أو ترتيبات مع دول أخرى بشأن تغيير أماكن إقامة الأشخاص المشار إليهم في الفقرة 1 من هذه المادة.
- تسري أحكام هذه المادة أيضاً على الضحايا إذا كانوا شهوداً.
- تتيح كل دولة طرف، رهنا بقانونها الداخلي، إمكانية عرض آراء وشواغل الضحايا وأخذها بعين الاعتبار في المراحل المناسبة من الإجراءات الجنائية المتخذة ضد الجناة، على نحو لا يمس بحقوق الدفاع.»
كما يجب إنشاء إدارة متخصصة بحماية الشهود تابعة لوزارة الداخلية، يتاح لها الإمكانيات المادية والبشرية الكافية لتوفير الحماية للمبلغين والشهود والخبراء وأقاربهم إذا كان هناك احتمال خطر حقيقي يهدد أمنهم.
- عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود