خلال العقود الماضية برزت لدينا أزمة كبيرة في الفجوة بين التخطيط والتنفيذ، وقد كتبت عنها مسبقاً وكتب بعض الزملاء محذرين من وقوع الرؤية الوطنية 2030 في نفس الفخ الذي أبطأ بعجلة التنمية وأضعف من مخرجاتها في الخطط الوطنية السابقة رغم الصرف الهائل على البرامج والمشروعات التنموية، ولذلك كان الإعلان الرسمي عن إطار الحوكمة الذي سيضبط عمليات وإجراءات تنفيذ برامج ومبادرات الرؤية ذا أثر إيجابي على المواطنين والمختصين بالتخطيط على وجه الخصوص، فبدون هذا الإطار الحاكم ستظل الرؤية الوطنية 2030 حلماً وردياً جميلاً محبوسة في برواز فاخر.
في حقيقة الأمر إطار الحوكمة هو مؤشر إيجابي يعبّر عن جدية الحكومة ممثّلة في مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية في الالتزام بتنفيذ برامج ومبادرات الرؤية الوطنية وفق ما خطط لها ومراقبة تتدفق العمليات والإجراءات ومعالجة العثرات وآليات تصعيد احترافية مزّمنة بمدد قصيرة للإنجاز (14 يوم كحد أقصى) وذلك يعبر عن الفكر الاحترافي للأداء الحكومي الجديد، فقد أزالت حوكمة الرؤية عدداً كبيراً من التساؤلات المطروحة والتوجس والتخوف من فشل أو تعثر التنفيذ لتلك الخطة الوطنية الحلم.
المُلفت للانتباه في إطار الحوكمة هو أدوات الرقابة الحديثة التي سيستخدمها مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، وهي مكتب الاستراتيجية ومكتب إدارة المشاريع PMO، ولو رجعنا بذاكرة المنجزات الوطنية وأبرز مُنفذيها لوجدنا شركة أرامكو تتربع على هذا العرش من الخبرة والسمعة والقبول المجتمعي لجميع مخرجاتها، ولو أدرنا عدسة التركيز على تلك الشركة الوطنية المحترفة لعرفنا بأن سر تميزها يكمن في قوة مكتب المشاريع الخاص بها. وأغلب الحكومات الناجحة باتت تتخذ من منهجية إدارة المشاريع إطاراً حاكماً لأعمالها فهو الطريق الأنجع لتحقيق الجودة في الأداء والضبط والتحكم في العمليات والأهم الإنجاز في الوقت المحدد وفق الجودة والتكلفة المحددة.
الجميل بعد الإعلان الرسمي عن إطار الحوكمة لتنفيذ برامج الرؤية الوطنية 2030 بأن المجتمع سيكون على اطّلاع دائم ومراقبة مستمرة لحركة الإنجاز والتعثر للمبادرات والمشاريع من خلال المركز الوطني لقياس أداء الأجهزة العامة فهو مناط بتعزيز الشفافية وإشراك المجتمع في متابعة التقدم والتعثر للبرامج والمبادرات من خلال نشر لوحات ومؤشرات الأداء والتقارير الدورية.
الرؤية الوطنية 2030 هي حلم كبير وتحدٍ أكبر فهي في مواجهة ثقافة سائدة اعتمدت لعقود ماضية على الرعوية والاتكالية، وإطار الحوكمة هو نقطة القوة للحكومة في الإنجاز وتغيير الاتجاهات السلبية السابقة عن الأداء الحكومي، فهذا الإطار الحاكم عبارة عن مضمار لإنتاجية الحكومة وكل فرد (أو مؤسسة) يتعثر في الجري نحو تحقيق الهدف سيكون مكشوفاً أمام المجتمع وليس عليه إلّا أن يرفع راية الانسحاب من المضمار 2030 ويعطي الشارة لمواطن أكثر إنتاجية وأسرع في الإنجاز وأنفع للوطن، فالإنتاجية هي الطاقة المحركة لهذا المضمار الوطني 2030.
- المحرر