(الجارديان) - بريطانيا:
السفر من أوروبا إلى آسيا يمكن أن يثير نوعا من الشعور بالحسد من قبل الأوربيين. فآسيا هي التي ستحدد ملامح العالم في القرن الحادي والعشرين، وآسيا هي العالم الجديد بينما أوروبا هي القارة العجوز.
على النصب التذكاري لضحايا الهجوم النووي الأمريكي على مدينة هيروشيما اليابانية الذي أسفر عن مقتل حوالي 140 ألف إنسان تقرأ عبارة «علينا أن نتعلم من أخطاء الماضي». وفي أحد المتنزهات اليابانية يتجول السياح في الماضي عبر قبة قديمة للمبنى الوحيد الذي ظل موجودا بعد ضرب هيروشيما بالقنبلة النووية يوم 6 أغسطس 1945. يعرض متحف إحياء ذكرى ضحايا القنبلة النووية في هيروشيما تماثيل شمع للأحياء الذين كافحوا للخروج من تحت الأنقاض بملابسهم الممزقة وأجسادهم المحترقة. ويوجد عدد قليل من الأماكن التي تجسد كوارث القرن العشرين ولها نفس قوة تأثير كارثة هيروشيما التي يعتزم الرئيس الأمريكي باراك أوباما زيارتها في وقت لاحق من الشهر الحالي. كما أن هيروشيما وشقيقتها في المأساة النووية ناجازاكي تفسران تماما لماذا يشعر الشعب الياباني بأنه ضحية وليس جانيا في الجرائم التي شهدتها الحرب العالمية الثانية.
ربما تكون آسيا مزدهرة في الوقت الراهن لكن أشباح الماضي تطاردها، حيث تبلغ المشاعر الوطنية لدى شعوب هذه المنطقة ذروتها. فالصين تنشر حالة من الفزع بين جيرانها بسبب ضغطها لفرض سيادتها على المياه المتنازع عليها مع العديد من الدول، كما تقيم الجزر الصناعية في بحر الصين الجنوبي وتقيم عليها قواعد عسكرية. وتشير القيادة الصينية إلى التاريخ الاستعماري القديم لكي تضفي نوعا من المشروعية على تصرفاتها حاليا، لكن هذا يؤجج المخاوف في الدول المجاورة من الفلبين إلى فيتنام، التي ترى أن مصالحها تتعرض للاعتداء.
قال أحد المحللين العسكريين اليابانيين أن «ألصينيين يكررون دائما أنهم تعرضوا للاعتداء والانتهاكات على مدى 20 عاما، فهل يعني هذا القبول بأي شيء يفعلونه الآن؟».
في طوكيو زرت مقبرة ياساكوني التي تضم رفات القادة العسكريين اليابانيين الذين لقوا حتفهم في الحروب بمن فيهم قادة متهمون بارتكاب جرائم حرب. هذه المقبرة مخصصة «لأرواح المدافعين عن الوطن» بحسب تعبير اليابانيين. وفي وقت تال حضرت مؤتمرا عن التوتر بين الصين واليابان حول جزر سينكاكو المتنازع عليها بين البلدين. والمزاج العام في المؤتمر كان قاتما. وقال أحد المتحدثين «لأول مرة منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، يتم دمج القوة العسكرية في إدارة الشئون السياسية وهو ما يعتبر وصفا لحالة الصين».
التوتر يتصاعد في منطقة شرق آسيا وهناك مخاوف من وجود ترسانة نووية في المنطقة. ففي يناير الماضي أجرت كوريا الشمالية رابع تجاربها النووية، وفي الشهر الحالي أعلنت إطلاق صاروخ باليتسي من إحدى الغواصات (رغم إعلان كوريا الجنوبية فشل التجربة الصاروخية). ويتبنى الرئيس الكوري الشمالي كيم يونج أون استراتيجية توسع عسكري مدفوعا بهاجس بقاء النظام السياسي لحكومته وتراث الحرب الكورية في مطلع خمسينيات القرن العشرين.
كما تشهد المنطقة سباق تسلح إقليمي واضح تقوده الصين. ففي عام 2014 وصل الإنفاق العسكري لدول آسيا والمحيط الهادئ إلى 338 مليار دولار وهو ما يفوق الإنفاق العسكري لدول أوروبا خلال الفترة نفسها. وأي شخص بصير سيرى نذر مواجهة محتملة بين الصين والولايات المتحدة. ويقدر أحد خبراء الدفاع الأمريكيين في طوكيو فرص حدوث مواجهة عسكرية بين أمريكا والصين خلال فترة تتراوح بين 5 و10 سنوات تبلغ حوالي 50% تقريبا. وربما بدا مثل هذا المشهد بعيدا وغير ذي صلة بالنسبة للأوروبيين. لكن لو كان هناك أمر إيجابي في تصاعد التوتر في منطقة شرق آسيا، فهو أنه يجب أن يكون تذكيرا لقيمة الكيان الذي أقامه الأوروبيون في قارتهم بإنشاء الاتحاد الأوروبي. فقد أقامت أوروبا وحدتها الحالية على أساس التغلب على عوامل العداء والكراهية القديمة. ولكن آسيا لم تحاول السير في هذا الاتجاه ولا يبدو أنها ستحاول ذلك في أي وقت قريب. فمنطقة آسيا تعيش في ظلال عالم الحرب العالمية الثانية والحرب الكورية وتراث الحرب الباردة. فآسيا لم تحقق أي شكل من أشكال الوحدة، ولم تسع إلى تحقيق مصالحة حقيقية.
الحقيقة أن أوروبا تتمتع بخلفية ثقافية مشتركة وتماسك جغرافي، وهي عوامل تفتقدها آسيا. يشير روبرت دوياريتش الأستاذ في «جامعة طوكيو» إلى أن اللغتين اليابانية والصينية لا تحتوي على كلمة «آسيوي» وأن التعبير الصوتي «آسيا» دخل إلى هذه اللغات من الأوروبيين. إذن فقد كانت أوروبا الاستعمارية هي التي قالت للآسيويين إنهم «آسيويون».
في عام 2011 أعلن الرئيس الأمريكي باراك أوباما أن الولايات المتحدة «حولت اهتمامها تجاه الإمكانيات الهائلة الموجودة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ». هذا الموقف الأمريكي يعكس إدراك حقيقة أن آسيا تمر بمرحلة صعود في حين تتراجع أوروبا. لكن بعد خمس سنوات من صدور إعلان أوباما شعر كل حلفاء أمريكا في أوروبا وآسيا بالقلق من مدى التزام أمريكا بأمن هؤلاء الحلفاء، الذين يريدون تأكيدات بوجود رادع لأعدائهم.
وكما أصيبت أوروبا بالصدمة نتيجة التدخل العسكري الروسي في أوكرانيا، فإن الصين تفرض تحولات استراتيجية في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. هذه المنطقة تنظر إلى تنامي النزعة الانعزالية لدى الولايات المتحدة بكثير من القلق. وهناك جدل متزايد حول إمكانية أن تبدأ اليابان لعب دور أكثر فاعلية في مواجهة الصين والتكهن باحتمالات سعي طوكيو نحو امتلاك قدرات نووية عسكرية، وهي آفاق يصعب تأكيدها في الوقت الراهن.
مازالت اليابان بعيدة عن القبول بالقيام بدور إقليمي دون تأجيج المخاوف من ماضيها. وبحسب المؤرخ الأمريكي جون دور فإن القفز على آلام وعداوات الماضي في آسيا يحتاج إلى قدر كبير من الواقعية السياسية بأكثر مما يحتاج إلى العدالة. وفي الحقيقة، فإن جذور التوترات في آسيا لا تعود إلى التنافس بين الدول، وإنما إلى المعركة حول ذاكرة الشعوب. وفي حين استخلصت أوروبا دروس حروب وصراعات القرن العشرين وتعلمت منها، فإن هذه الحروب مازالت تسيطر على السياسات والدبلوماسية الداخلية لدول شرق آسيا ومازالت تثير سخط الشعوب على بعضها البعض. لذلك فإن التجربة الأوروبية في هذا المجال جديرة بالاستفادة منها.
ناتالي نوجاييردي - طوكيو