د. أحمد الفراج
لم يفاجئني القرار الكارثي للبريطانيين بمغادرة الاتحاد الأوروبي، ووصفه بأنه كارثي ليس اجتهادا مني، بل واقع حقيقي قال به تقريبا كل المعلقين، خصوصا في الجانب الاقتصادي، والجدير بالذكر أن من يتزعم حملة مغادرة بريطانيا للاتحاد الأوروبي هم من يسمون أنفسهم بالقوميين، وهم زعامات يمينية قومية متطرفة، وإن شئت الدقة فهم عنصريون ضد كل الأعراق غير الأنجلوساكسونية، ويتزعم هذا الحراك، عضو البرلمان الأوروبي، البريطاني، نايجل فاراج، وهؤلاء لا يهمهم مصير المواطنين البريطانيين، الذين سيتأثرون اقتصاديا من خروج بريطانيا من الاتحاد، إذ إن كل ما يهمهم هو «استقلال» بريطانيا، على حد وصفهم، أي استقلالها، وعدم خضوعها لقوانين الاتحاد الأوروبي، فيما يتعلق بقضايا الهجرة، وغيرها، وهؤلاء يحلمون بعودة بريطانيا العظمى، التي لا تغيب عنها الشمس، وبقاؤها جزءاً من الاتحاد يعيق ذلك، حسب وصفهم!.
يتزامن ذلك مع اكتساح المرشح الجمهوري العنصري، دونالد ترمب، في الولايات المتحدة، وقد كتبت كثيرا عن هذا الأحمق، كما يتزامن مع تسريبات تشير إلى أن بعض دول الاتحاد الأوروبي الهامة تنوي طرح استفتاء على بقاء عضويتها في الاتحاد، وتمت الإشارة لفرنسا ضمن هذه الدول، ومعظم من يتبنى هذه الأطروحات هم اليمين المتطرف، واذا عرجنا من هناك، نجد أن التطرف اليميني يجتاح دولا كانت تعتبر مثالية مثل السويد والنرويج، والتي ازدادت فيها نسب التحرش والاعتداءات على الأجانب، وذات الشيء يقال عن بعض دول أوروبا الشرقية، والعجيب أن انتشار مد التطرف اليميني في الغرب يتزامن مع انتشار داء الطائفية في الشرق الأوسط، فقد أصبح المواطنون العراقيون، وبسبب الطائفية، يقتلون بعضهم البعض، وهم الذين كانوا يرتبطون بعلاقات نسب ومصاهرة، قبل احتلال العراق من قبل أمريكا، ثم من قبل إيران، والعراق ليست وحدها، فداء الطائفية ينتشر، ويزداد شراسة على امتداد رقعة الشرق الأوسط.
العالم كله يغلي بلا شك، ولا يوجد وضع مشابه له إلا ما حصل خلال ثلاثينيات القرن الماضي، حينما زرع النازي، ادولف هتلر، بذرة العنصرية والاستعلاء، ورفع لواء الحرب ضد الجميع، ومثله فعل موسوليني في إيطاليا، وكانت نتائج ذلك كارثية، لا زالت بعض الدول تعاني من آثارها حتى اليوم، ومع أن آثار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كارثية على الشعب البريطاني، إلا أن أثرها سيكون كارثيا على العالم أجمع، لا في الجانب الاقتصادي وحسب، بل في دفع لواء الحركات اليمينية المتطرفة إلى السلطة في بلدان غربية أخرى، وإذا كان هذا قد يحصل في معاقل الديمقراطية الغربية، فماذا الذي سيحصل في منطقتنا الملتهبة أصلا منذ أمد بعيد، ولعلنا نحاول الإجابة عن ذلك مستقبلا.