إبراهيم عبدالله العمار
أظن كل الناس يفكرون في المستقبل بشكل أو بآخر. أحياناً يفكر الناس فيه بشكلٍ محايد، مجرد تَصوُّر لأشياء يمكن أن تقع، لكن أغلب التفكير أظنه متعلّقاً بمشاعرك، أي أنك إما تفكر في أشياء طيّبة تتمناها أو أشياء مكروهة تخشاها. هل تتمنى ترك التدخين؟ تقليل الطعام؟ التخرّج؟ وظيفة أفضل؟ توفير المال؟ مشروع؟ لعلك تتخيل تلك الأشياء وتعيشها، تتصور تفاصيلها، «ياه، سيكون هذا رائعاً إذا حصل!». غير أنه من الغريب أن هذا ليس في صالحك!
هذه معلومة أخبرنا بها عالم النفس الاجتماعي دانيل غلبرت في كتابه «الوقوع على السعادة»، والذي يناقش شعور السعادة، وأتى فيه بمعلومات مثل هذه تعاكس البديهة ولا يتوقّعها الشخص، فنحن نظن عادة أننا كلما تصورنا حدثاً مستقبلياً طيباً نطمح أن ننجزه فإن هذا يساعدنا على الوصول له، ولعل هذا ينفع مع بعض الناس، لكن الغالبية لا ينطبق عليهم هذا، ويقول غلبرت أنه كلما تعمق الإنسان في تصور حدث مستقبلي إيجابي وتخيّل تفاصيله وعاشها وتلذذ بها قلَّت احتمالات أن يفعل هذا الشيء.
الأحداث السلبية لها نصيب أيضاً من تفكير الإنسان، وربما تطغى على الطيّبة، ونحن نفكر في الأحداث السلبية لسببين: 1) توقُّع الأحداث السيئة يجعلها أقل وطأة إذا وقعت. 2) للتحفيز، فمثلاً من يتخيل عواقب الإفراط في الحلويات قد يكون أنجح في تركها من غيره.
كلمة «السعادة» تعني عدة أنواع، لكن ما يقصده أغلب الناس عندما يستخدمون تلك الكلمة هي السعادة الشعورية، وهي نوع شخصي من السعادة وليس موضوعياً. السعادة الشعورية ليست بالضرورة السعادة التامة التي يطلبها كل إنسان، وهذه وضحها الفيلسوف روبرت نوزك في تجربة شائقة وظريفة! يطلب منك نوزيك أن نتخيل جهازاً خيالياً توصل نفسك به ومن ثم تدخل في أي تجربة أو أي حلم ترغب، ويكون الشعور مطابقاً للواقع تماماً، ولا تعرف في هذا الحلم أنك تعيش في خيال، بل توقن أنك تعيش الموقف واقعاً. مثلاً، تستطيع أن توصل الأسلاك برأسك ثم تدخل حلماً ترى فيه أنك في روضة خضراء وحولك الفواكه الدانية ويطربك خرير الأنهار وحفيف الأشجار وغناء الأطيار، وتعتقد يقيناً أن هذا حقيقة. ما رأيك في هذا الجهاز؟ هل ستستخدمه بقية حياتك؟ هل ترى أنه نعمة عظيمة؟ هل ستكتفي به لتحصل على السعادة؟ الذي وجده نوزك أنه لا أحد سيختار هذا النوع من السعادة! هل تصدق هذا؟ قد تقول: «مستحيل! لا يمكن لأي شخص أن يرفض هذا! ومن يترك جهازاً يجعله يعيش شعور السعادة؟»، لكن ستدرك عاجلاً أو آجلاً أن هذا الجهاز لا يتطابق مع مفهومك عن السعادة، لأنها ليست سعادة حقيقية، بل زائفة ولا أصل لها في الواقع، رغم أنها سعادة شعورية.
ويظل مفهوم السعادة يحيرنا!